تسعى أنقره في شكل دائم إلى استغلال الأوضاع المتوترة في سوريا والعراق، لكي تصفّي حساباتها مع حزب العمال الكردستاني والقوى الكردية الأخرى الموالية له في البلدين. مع أن الحرب التي تدور هناك، منحت القوى الكردية حيّزاً واسعاً من الحرية في التحرك، إضافة إلى فرص تاريخية للتسلح والتدرب والعمل ضد تركيا، إلا أن تركيا استغلت هذه الظروف أيضاً، وقامت بشن عمليات عسكرية واسعة، لدفع «التهديد الكردي» المزعوم، وتوسيع دائرة «الأمان» على الحدود مع العراق وسوريا. اليوم، تتحضّر أنقرة لشن عملية عسكرية واسعة ضد المعاقل الكبرى لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، في سياق خطط متكاملة تشمل سوريا والعراق.في الفترة السابقة، أثارت تركيا مراراً إمكانية شن عملية عسكرية عبر الحدود في شمال العراق، على غرار عمليتي درع الفرات (آب/ أغسطس 2016)، وغصن الزيتون (كانون الثاني/ يناير 2018) ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا. ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً الحكومة العراقية إلى التحرك ضد القواعد الخلفية لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مهدّداً بالتدخل إن لم تفعل. ولا يخفى أن جزءاً كبيراً من استثمار هذه العمليات العسكرية، يكون لمصلحة الحسابات الداخلية التركية، إذ تأتي التصريحات التي تتحدّث عن هجوم تركي وشيك على معاقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من انتخابات رئاسية وتشريعية مفصلية في تركيا. وكانت قد لقيت العملية العسكرية الأخيرة ضد المقاتلين الأكراد في عفرين السورية تأييداً كبيراً، مما يظهر دوافع أخرى، غير العسكرية والأمنية، وراء شن عمليات عسكرية خارج الحدود ضد القوى الكردية.
اليوم، أكد وزير داخلية تركيا سليمان صويلو أن الجيش التركي يتقدم باتجاه القواعد الخلفية لمتمردي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق، مضيفاً أن البدء بعملية عسكرية هو «مسألة توقيت فقط». وأضاف صويلو أن «جبل قنديل لم يعد هدفاً بعيد المنال بالنسبة إلينا، وقواتنا أحرزت تقدماً كبيراً في منطقة هاكورك الواقعة في شمال العراق». وأكد صويلو في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن «ما يهمنا هو التوقيت. ليست المسألة (ما إذا كنا سنشن) عملية (أو لا)، بل توقيتها». وتابع الوزير التركي: «سنحول جبل قنديل بشمال العراق إلى مكان آمن بالنسبة لتركيا». وضاعف الجيش التركي في الأسابيع الأخيرة توغلاته في المنطقة التي يستهدفها دوماً بغارات جوية. والأسبوع الماضي أعلنت تركيا مقتل أربعة من جنودها في اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق
«خارطة طريق» منبج
في سياق الخطوات التركية اتجاه القوى الكردية في سوريا، أعلنت الولايات المتحدة وتركيا، في بيان مشترك، عقب اجتماع وزيري خارجية البلدين في واشنطن اليوم، أنهما أقرّتا خريطة طريق لمدينة منبج في شمال سوريا وأكدتا التزامهما المشترك بتنفيذها. وقال البيان إن «وزيري الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو والأميركي مايك بومبيو ناقشا أيضاً مستقبل التعاون بين بلديهما في سوريا والخطوات التي يتعين اتخاذها لضمان الاستقرار والأمن في منبج». واتفق الوزيران أيضاً على عقد مزيد من الاجتماعات لحل المشاكل الحالية بينهما، وقالا إن «البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي ما زالا ملتزمين بمعالجة مخاوفهما المشتركة بروح الشراكة بين الحلفاء».