نيويورك | كثرت القراءات في الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي أوقف القرار الأوروبي ــ الأميركي حول سوريا في مجلس الأمن في مطلع الأسبوع الجاري. كان يكفي فيتو واحد من الدول الخمس الدائمة العضوية، لكن الموقف التضامني بين بكين وموسكو حمل دلالات بالغة على مدى اهتمام الدولتين العملاقتين باستقرار وسلام الشرق الأوسط بما هو منطقة حيوية غير محسومة التبعية والانتماء. الفيتو الروسي الصيني المزدوج تكرر ثلاث مرات في السنوات الأربع الماضية، من دون أن تكون هناك حالات مشابهة في العقود السابقة. وفي ذلك دلالة على مدى شعور الدولتين بأن مصالحهما تتعرض للمساس من الدول الغربية التي تهيمن على القرار في المجلس. ففي 13 كانون الثاني 2007، استخدمت الدولتان الفيتو منعاً لفرض عقوبات على ميانمار (بورما سابقاً) المتاخمة للصين تحت ذريعة استهانة الدولة بحقوق الإنسان. الأمر تكرر بعد ذلك بأقل من عامين في قضية متعلقة بالقارة الأفريقية، التي حددها مؤتمر برلين 1884، بأنها في غالبيتها أرض «مشاع». وقفت روسيا والصين طويلاً ضد تشديد العقوبات على السودان مثلاً، لكنهما استسلمتا نسبياً بعدما فشل نظام الخرطوم في تثبيت أقدامه وحسم مواقفه في السرّ كما في العلن. لكن في زمبابوي (روديسيا سابقا)، استخدمت الدولتان حق النقض معاً وحدثت أزمة دبلوماسية بينهما وبين واشنطن وبريطانيا حول مدى احترام موسكو لمواقفها في المحافل الدولية. كان القرار سيفرض حظراً على تزويد زمبابوي بالسلاح ومنع سفر وحجز أموال. أما المرة الثالثة فكانت في جلسة الإثنين حول القرار السوري. مندوب روسيا الدائم، فيتالي تشوركين، قال صراحة بعد التصويت إن «سوريا مهمة كثيراً لروسيا كشريك قديم. وإنها سوق للسلاح الروسي ولا ضير في ذلك لأن الدول الأخرى»، قاصدا الولايات المتحدة وأوروبا «تبيع أسلحة بمئات مليارات الدولارات في المنطقة». ولفت إلى أن ما يجري في سوريا يبقى محط اهتمام إقليمي وعالمي لدولة محورية في المنطقة لا يمكن تجاهلها.
وما لم يقله تشوركين وفهمه المراقبون، أن نشر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا وفي تركيا قرب الحدود السورية يأتي في إطار التصدي العسكري لمناطق النفوذ بين أوروبا وأوراسيا. سوريا هي نهاية الطريق على درب الحرير الممتد من المحيط الهادئ شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً مروراً بإيران والعراق. كما أن مشاريع الطاقة الكبرى بين الشرق الأوسط من إيران وروسيا إلى الصين شرقاً، وخطوط الأنابيب المتجهة إلى أوروبا غرباً يجب أن تضمن الحيّز الجغرافي اللازم لضمان سلامتها. تاريخياً كانت روسيا المتحكم الرئيسي بهذه الخطوط، وتعرضت أوروبا مرتين لضغوط روسيا في العقدين الأخيرين في تزويد الغاز. أمر جعل الغرب يعمل سراً على زعزعة الاستقرار في منطقة البحر الأسود، قاضماً دولاً بأكملها من الاتحاد السوفياتي السابق ومستثمراً في مشاريع طاقة عملاقة منافسة لروسيا.
في المرحلة الجديدة المقبلة، يعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً إلى الكرملين وفي جوهر تفكيره إنشاء تحالف أوراسي يقوم على دول رئيسية في المنطقة ممتدة من بيلاروسيا غرباً إلى قرغيزستان في جنوب شرق روسيا عند حدود الصين وباكستان. وبانتظار تكوّن هذا التحالف سيبقى النزاع على الشرق الأوسط رئيسياً بين الغرب والشرق. روسيا والصين فقدتا الكثير في حروب الغرب في أفغانستان والعراق وليبيا ومصر وحتى اليمن. وإذا كانت حروب ونزاعات تلك الساحات لم تضع أوزارها، فإن الدولتين العملاقتين لا ترغبان في أن تستقر الأوضاع لغير صالحهما، ولذا حاولتا اعادة التوازن الى مجلس الأمن.