إسطنبول | بين 31 أيار 2010 واليوم، أكثر من عام بقليل، لكنه حفل بالكثير من التغيُّرات والتسريبات على صعيد العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية. عام ظلّ عنوانه «أسطول الحرية» الذي كان لحظة تاريخية على صعيد الطلاق بين أنقرة وتل أبيب، ليبقى الشرط التركي حاسماً في كل الأنباء التي تحدثت عن حصول لقاءات تركية ـــــ إسرائيلية سرية في سويسرا وغيرها من الدول لإتمام مصالحة دفعت الولايات المتحدة بقوة في سبيلها: اعتذار إسرائيلي رسمي وتعويض لعوائل الشهداء الأتراك التسعة الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية في عرض المياه الدولية.
وطوال هذه الفترة، ظلّ الحديث مقتصراً على تسريبات صحافية واعترافات تركية خجولة بوجود وساطات لإبرام المصالحة بين الحليفين السابقين، إلى أن أُلغيت المشاركة التركية في «أسطول الحرية 2» الذي ينتظر العالم ساعة الصفر لإبحاره إلى شواطئ غزة حيث ستستقبله قوارب الاحتلال. وكان قرار إلغاء المشاركة التركية أكثر من مؤشر مؤكد، بالنسبة إلى البعض، إلى أنّ المصالحة التركية ـــــ الإسرائيلية سائرة بالاتجاه الصحيح وبسرعة، بدليل تصريحات الترحيب الحار التي أُطلقت من تل أبيب وواشنطن احتفاءً بالقرار التركي الذي يصرّ حكام أنقرة على أنه لم يكن لهم أي دور فيه. لكن مهما شدد وزراء حكومة رجب طيب أردوغان على استقلالية قرار منظمة «إي أتش أتش» التركية المنظِّمة لـ«أسطول الحرية»، فسيبقى قرار تحييد مشاركة سفينة «مافي مرمرة» عن «أسطول الحرية 2» دلالة بالغة على رسالة تركية حكومية إلى تل أبيب، مفادها أنّ زمن المصالحة اقترب، وإن بقي الجميع واثقين من أنّ حرارة العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه بين تركيا والدولة العبرية قبل 31 أيار 2010، لأسباب عديدة، أبرزها فهم القيادة التركية أن الضرورات الموضوعية التي جعلت من إسرائيل «حاجة استراتيجية» بالنسبة إلى أنقرة زالت على جميع المستويات.
وعن هذا الموضوع، تحدثت «الأخبار» مع عضو اللجنة التنفيذية لسفينة «مافي مرمرة»، عثمان أتالاي، الذي أكّد أن «الحكومة التركية لم تضغط علينا قط. لقد قالوا لنا إنكم منظمة غير حكومية، ولا نملك أي حق بتوجيه أي تعليمات إليكم». إلا أن أتالاي اعترف بأنّ أنقرة وجهت إليهم رسالة تحذيرية مفادها: «إن ذهبتم إلى غزّة وهاجمتكم إسرائيل مجدداً، وحصل لكم مكروه، فإنّ ذلك سيكون سبباً لاندلاع الحرب». وعن الذريعة التي برّر بها مسؤولو «مافي مرمرة» عزوفهم عن التوجه إلى غزة، وهي «الأعطال التقنية» للسفينة التركية الأشهر، وهي الحجة التي تثير سخرية كثيرين، يصرّ أتالاي على أن «المشاكل التقنية هي فعلاً العائق الأول أمام مشاركتنا».
في المقابل، يرى الصحافي التركي في «حرييت»، سميح إديز، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في دردشة مع «الأخبار»، أنّ «انسحاب مافي مرمرة من الأسطول كان نتيجة طبيعية؛ لأن تركيا لم تكن قادرة على المخاطرة بالمشاركة في الأسطول والتسبب بأزمة إقليمية جديدة، نظراً إلى الأوضاع الحالية في المنطقة، ونظراً إلى تعاظم المسؤوليات الإقليمية الملقاة على عاتق تركيا». ويعلّق إديز على الإجراءات الإسرائيلية التي أعلنت تل أبيب اتخاذها من ناحية فتح معبر بيت حانون أمام الهلال الأحمر التركي لإدخال كل المساعدات التي يريد إدخالها إلى غزة، بالقول إنها كانت خطوة ذكيّة من دولة الاحتلال، لأنها جرّدت المنظمة التركية المسؤولة عن «مافي مرمرة»، وهي منظمة «إي أتش أتش»، من حججها للتوجه إلى القطاع، بما أنه سبق لهذه الأخيرة أن أعلنت أنّها تنوي نقل مساعدات طبية إلى القطاع في رحلتها البحرية التي عادت وألغتها.
وفي السياق، يجزم إديز بأنه «يصعب تصديق أنّ الحكومة التركية لم تكن أساسية في قرار عدم مشاركة مافي مرمرة»، حتى إنه يرى أن التطورات السورية والموقف التركي منها غير بعيدين عن الانسحاب التركي من «أسطول الحرية 2»؛ لأنّ «صدقية الـ إي أتش أتش كانت ستُضرَب لو أصرّت على التوجُّه إلى غزة في حين أنها تخصص كل إمكاناتها وجهودها لإغاثة اللاجئين السوريين على الحدود التركية».
بدوره، ينفي مصدر فلسطيني دبلوماسي رفيع المستوى يعمل في أنقرة حالياً، في اتصال مع «الأخبار»، صحّة كل المعلومات الصحافية التي تحدثت عن تعهُّد أميركي لتركيا بإعطائها دوراً ريادياً في محادثات السلام الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، في مقابل إلغاء أنقرة مشاركة «مافي مرمرة» في «أسطول الحرية 2». ويقول المسؤول الفلسطيني إنّ التقارير التي أشارت إلى وعد إسرائيلي باستحداث «مسار إسطنبول للسلام الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي» (على غرار مسار أوسلو)، «هي تقارير مغلوطة». ويتابع بأنّ السلطة الفلسطينية واثقة من أنّ تركيا «قادرة على القيام بدور فاعل في عملية المفاوضات إذا تصالحت مع إسرائيل، وهو ما لن يحصل إلا بتنفيذ الشروط التركية. وبموجب هذه الشروط، نعتقد أن تركيا لم تشجّع منظمي مافي مرمرة على المشاركة في الأسطول».
في هذا الوقت، رضخت السلطات اليونانية، أمس، للضغوط الإسرائيلية، فمنعت، بعد ظهر أمس، السفن التي تؤلف قافلة «أسطول الحرية 2» من الإبحار إلى قطاع غزة. وجاء في بيان لوزارة الدفاع المدني اليونانية أن أثينا «منعت السفن التي ترفع العلم اليوناني أو الأجنبي من الإبحار من المرافئ اليونانية إلى غزة». وأضاف البيان إن «السلطات المرفئية اتخذت كل التدابير الملائمة لتطبيق هذا القرار». وتابع البيان أنّ «السلطات اليونانية ستُخضع السواحل الشرقية للبلاد لرقابة دقيقة، لرصد تحركات السفن» المشاركة في «أسطول الحرية 2». هذا رغم تأكيد ناشطة دولية مشاركة في الأسطول، جرى الاتصال بها عبر الأقمار الصناعية، أنّ سفينة أميركية تنتمي إلى «الأسطول الدولي المتوجه إلى غزة» غادرت مرفأ بيريا القريب من أثينا بعد ظهر الجمعة، متّجهة إلى غزة.