أنقرة | تُجمع معظم الأحزاب التركية على أنّ القانون الذي يشترط على أي حزب نيل نسبة عشرة في المئة من الأصوات في أي انتخابات ليحق له التمثل في البرلمان، هو قانون جائر وبالتالي يجب خفض هذه العتبة بل إلغاؤها. لكن، رغم هذا الإجماع المعلن، ستشهد تركيا انتخابات جديدة في 12 حزيران تحت ظلال قانون العشرة في المئة.
وقبل كلّ استحقاق انتخابي في تركيا، يحتلّ موضوع قانون العشرة في المئة صدارة النقاشات، إلا أنه يكتسب أهمية استثنائية في هذه الدورة، بما أنّه يتوقَّع أن يحرّر البرلمان الذي سينبثق عنها، دستوراً جديداً، وبالتالي فإنّ شرعية الدستور الجديد ستكون موضع شكوك لكون البرلمان الذي سيضع هذا الدستور لن يكون ممثِّلاً لجميع الأحزاب السياسية في البلاد، ذلك أنّ «أهم شرط لإنجاز دستور مدني وديموقراطي جديد للبلاد هو إلغاء قانون العشرة في المئة قبل ذلك»، على حد تعبير المحللة السياسية نوراي ميرت في حديث لـ«الأخبار». لكنّ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يبدو في غير هذا الوارد، إذ إنه يضع نصب عينيه إقصاء حزب «الحركة القومية التركية» ومنعه من اجتياز نسبة العشرة في المئة من الأصوات على الصعيد الوطني، لعلمه أنّ هذا الأمر ضروري لتمكينه من حجز 367 كرسياً لنوابه، وبالتالي وضع دستور جديد للبلاد من دون الحاجة إلى طرح مشروع الدستور الجديد على استفتاء شعبي، لكون الحزب الحاكم يعتقد أن «الحركة القومية» سيعارض وضع دستور جديد.
ضحيّة أخرى لقانون العشرة في المئة هو حزب الأكراد «السلام والديموقراطية» الذي يخوض الانتخابات، مثلما فعل في 2007 و2002 قبلها، بمرشحين مستقلين بسبب عجزه المنطقي عن اجتياز عتبة الـ10 في المئة واقتصار توقعاته على ما بين 6 و7 في المئة.
وبحسب الأستاذ الجامعي، الصحافي الليبرالي البارز في «ستار»، محمد ألتان، الذي تحدث إلى «الأخبار»، فإنّ «قانون العشرة في المئة وضعه انقلابيو عام 1980 لمنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم في حينها، واليوم تنقلب الآية ليصبح أداة بيد هؤلاء الإسلاميين ضد الأكراد». ويذكّر ألتان بأنّ جنرالات الانقلاب وضعوا قانوناً يلزم الأحزاب باجتياز عتبة الخمسة في المئة، لكنّه رُفع إلى 10 في المئة في عهد رئاسة حكومة تورغوت أوزال وحزبه «الوطن الأم» في عام 1983. وهنا، يحمّل كثيرون الحزب الحاكم حالياً مسؤولية عدم تعديل قانون العشرة في المئة الذي يخدمه، بما أنّ هذه العتبة غير منصوص عليها في الدستور، بل هي موجودة في قانون الانتخابات، وبالتالي فإنّ تعديلها لا يستدعي غالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (367 نائباً) بل مجرد غالبية برلمانية عادية (نصف الأعضاء الـ550 زائداً واحداً). ورغم ذلك، مرّ على حكم «العدالة والتنمية» 9 سنوات ولم يعدّل القانون المذكور. بذلك، يتماثل حزب رجب طيّب أردوغان مع باقي الأحزاب التي ترفع شعار إلغاء أو تعديل نسبة العشرة في المئة عندما تكون في المعارضة، ثمّ تبقي على القانون حين تصل إلى السلطة، لأنه يناسبها ويفيد «الاستقرار» كي لا تدخل أحزاب كثيرة إلى البرلمان وتتسبب في فوضى أحزاب مثلما كان يحصل في تركيا قبل عام 1980، مع ما يحمله ذلك من أثر على الاقتصاد والأمن.
ولم يخفِ أردوغان نفسه رأيه حول هذا الموضوع، إذ قال، في أحد مهرجاناته الانتخابية قبل أيام، إن حكومته لا تنوي تعديل هذا القانون، بل ستسعى إلى المحافظة على «الاستقرار السياسي» وتعمل على إنجاز أهدافها الاقتصادية بحلول عام 2015، وحينها فقط «يمكن التفكير بخفض عتبة العشرة في المئة».
غير أنّ الأمين العام السابق للمحكمة الدستورية، بولنت سريم، يوضح أنّ الحزب الحاكم يتمسّك بعتبة العشرة في المئة لا لضرورات الاستقرار السياسي فحسب، بل الأهم لأنها تخدم مصلحته المباشرة، عندما ندرك أنّ «العدالة والتنمية» نال 46.52 في المئة من الأصوات في 2007، فيما عدد نوّابه بلغ 62 في المئة من أعضاء البرلمان. وفي الانتخابات نفسها، نال أكبر أحزاب المعارضة «الشعب الجمهوري» 20.9 في المئة من الأصوات، فيما لم يكن عدد نوابه يمثل سوى 20.3 في المئة من مجمل أعضاء النواب. كذلك حال «الحركة القومية» في 2007 التي نالت 14.27 في المئة من الأصوات ولم تحجز سوى 12.7 في المئة من أعضاء البرلمان.
وفي الحديث عن ضحايا قانون العشرة في المئة، يمكن إيراد أمثلة لا حصر لها تظهر كيف أن أحزاباً كبيرة جداً لم تتمثل في البرلمان بسبب هذا القانون. فشيخ المعارضة التركية مثلاً، «الشعب الجمهوري» فشل في التمثل بأي نائب في انتخابات 1999 بسبب نيله 8.71 في المئة من الأصوات.
اليوم، ينحصر السجال السياسي في الشق الغربي من تركيا بإمكانية تحقيق حزب أردوغان غالبية الثلثين من مقاعد البرلمان، وهو ما لن يحصل إلا إذا ظل «الحركة القومية» خارج الندوة البرلمانية، وفق كثيرين، منهم الأستاذ الجامعي سيف الدين غورسل، علماً بأن أردوغان أعلن، أمس، أنه لا ينوي وضع دستور جديد للبلاد عن طريق الاستفتاء الشعبي، بكلام آخر أنه لن يضع دستوراً جديداً إلا إذا فاز حزبه بغالبية ثلثي النواب.



«دورات تدريب» انتخابيّة للأكراد

في هذه الأيام، يمضي مناضلو حزب «السلام والديموقراطية» الكردي وحلفاؤه وقتهم بتدريب ناخبيهم على كيفية معرفة أسماء مرشحيهم المستقلين، ذلك أن طريقة التصويت في تركيا معقّدة بعض الشيء. فالناخب يُعطى ورقة واحدة (قياسها 60 سنتيمتراً) في كل دائرة انتخابية (يبلغ عدد الدوائر 85)، تُكتَب عليها أسماء أعضاء اللوائح الحزبية (يشارك رسمياً 15 حزباً في هذه الدورة)، وتضاف في ذيلها أسماء المرشحين المستقلين. هكذا، يجد الناخب نفسه أمام لائحة عملاقة من أسماء كثيرة أمامه وقت قصير لاختيار أحدها، وليضع ختمه عليها إذا قرر التصويت لمرشح مستقلّ. هكذا يصل طول الورقة الانتخابية في بعض المناطق متراً كاملاً مليئاً بالأسماء، مما يصعّب من مهمة المرشحين المستقلين. وعلماً أنّ عدداً كبيراً من الناخبين الأكراد خصوصاً هم من الأميين، فإنّ حزبهم يضطر إلى إقامة «دورات تدريب» سريعة لهم للتمكن من تمييز أسماء مرشحيهم من غيرها. والطريقة المعتمدة عند الأكراد في هذه الدورة سهلة بعدما أقفل باب الترشح: تُوزّع حبال مقاساتها مدروسة بدقّة على الناخبين الذين لا يجيدون القراءة. يضع الناخب رأس الحبل على أول اسم في اللائحة ويختار الاسم الذي ينتهي عنده طرف الحبل، فيكون هذا الاسم هو المرشح المطلوب.