نواكشوط | باريس | في مشهد أفريقي بامتياز، أعلن عسكريون في العاصمة المالية باماكو، إطاحة الرئيس أمادو توماني توري، ليعود العسكريون الماليون إلى عادتهم القديمة في تناوب غير سلمي على السلطة.
إعلان نجاح الانقلاب جاء في الساعات الأولى من فجر يوم أمس، بعد عودة البث والاستماع إلى ساعات من الموسيقى العسكرية على أثير الإذاعة والتلفزيون الحكوميين. وتقرّر حلّ المؤسسات الدستورية وفرض حظر للتجول ابتداءً من مساء أمس. وكغيرهم من الطامحين إلى السلطة عن طريق السلاح، وعد الزعماء الجدُد في باماكو بتسليم السلطة إلى المدنيين. وقال المتحدث باسمهم، أمادو كوناري، إن اللجنة «قررت الاضطلاع بمسؤولياتها بإنهاء النظام العاجز لأمادو توماني توري»، واتهموه بالفشل في إنهاء التمرُّد (الطوارق) في شمال البلاد. وجاء هذا البيان بعد وقت قصير من إعلان الانقلابيين سيطرتهم على القصر الرئاسي في باماكو، بعد عدة ساعات من معارك مع الحرس الجمهوري راح ضحيتها العشرات.
الانقلاب العسكري أرجعته الطغمة العسكرية الجديدة، التي أُطلق عليها اسم «اللجنة الوطنية لاستعادة الديموقراطية وإقامة الدولة»، لفشل السلطات في حل الأزمة في شمال البلاد، حيث بدأت «الحركة الوطنية لتحرير إقليم أزواد» الانفصالية استخدام السلاح في كانون الثاني الماضي، وسيطرت على عدة مدن. تبرير يخشى مراقبون في المنطقة أن يشكل ورقة يعول عليها كثيرون من الطامحين إلى «البيان رقم واحد» في دول المنطقة التي تعافت خلال الأعوام القليلة الماضية من حمى الانقلابات العسكرية، رغم المآخذ على تجاربها «الديموقراطية».
التزم الانفصاليون الطوارق الصمت حيال الانقلاب العسكري، علماً أنّ الخسارة التي مني بها الجيش على يدهم كانت أبرز أسبابه، بينما سارع المجتمع الدولي إلى التنديد بالانقلاب؛ وفي تطور مفاجئ، أكد وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن باريس لا تعرف مكان الرئيس المخلوع أمانو توماني توري. وقال جوبيه «قيل لي إن مكانه غير معروف، والأمور يمكن أن تتطور لكن حالياً لا أستطيع أن أقول أين الرئيس»، ليكتفي بالاشارة إلى أن الرجل «ليس في السفارة الفرنسية».
وأعرب جوبيه عن إدانة فرنسا للانقلاب، مطالباً بضرورة استعادة النظام الدستوري وإجراء الانتخابات التي كانت مقررة نهاية نيسان المقبل «في أسرع وقت ممكن». ورأى محللون في نواكشوط أن تصريحات رئيس الدبلوماسية الفرنسية تنم عن غياب فرنسي غير مسبوق عن منطقة ظلت حتى وقت قريب باريس أساسها.
إدانة مشابهة صدرت من واشنطن، إذ أعلن المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني أن بلاده «تدين بشدة» الانقلاب، وتطالب بـ«العودة الفورية للنظام الدستوري» في البلاد. وفي السياق، أعربت الجزائر، كبرى دول الجوار والفاعلة في المنطقة، عن قلقها الشديد من الوضع في مالي، ونددت «بشدة» باللجوء إلى القوة، مؤكدة أنها «ترفض بشدة التغييرات المنافية للدستور». وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني إلى أن «الجزائر تتابع بقلق شديد الوضع في مالي. وبحكم مبادئنا النابعة من ميثاق الاتحاد الافريقي ندين بشدة اللجوء إلى القوة ونرفض التغييرات المنافية للدستور». بدوره، ندد الاتحاد الأفريقي، وأعرب عن رفضه للانقلاب، وحذت حذوه في ذلك «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وفيما التزمت الحكومة الموريتانية الصمت، اتهم حزب «اللقاء الديموقراطي الوطني» المعارض، السلطات الموريتانية بـ«التدخل المباشر في شؤون مالي». ودعا بيان الحزب، «الانقلابيين» إلى «احترام إرادة الشعب المالي المتمثلة في ترسيخ الحرية والتناوب السلمي علي السلطة».
ووسط هذه التنديدات، لم يعترف الرئيس المخلوع توري، وهو عسكري متقاعد، بالانقلاب، واعتبره مجرّد تمرُّد، وظل يسبح في الفضاء الإلكتروني و«يغرّد» على شبكات التواصل الاجتماعي. ومثلما وصل إلى السلطة للمرة الاولى في انقلاب عسكري قبل عشرين عاماً على الجنرال موسى أتراوري، ها هو توري، المعروف بهدوئه، يُعزل من الكرسي بنفس الطريقة. حتى أنّ توري امتلك الوقت الكافي ليردّ على تساؤل أحد المدوّنين على موقع «تويتر»، حين سأله عن حقيقة ما يجري تداوله بشأن حدوث انقلاب عسكري في مالي؛ فأجاب الرئيس المخلوع «عليكَ بالتحقق من مصادرك؛ لا يوجد انقلاب عسكري في مالي، كل ما في الأمر أن هنالك تمرداً في قاعدة كاتي العسكرية».