نواكشوط | بات القارب الملاذ الأخير للأفارقة ليبحثوا عن حياة جديدة في القارة الأوروبية بعيداً عن القارة السمراء. الأفارقة لجأوا إلى القارب كوسيلة وحيدة تمكنهم من الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، بعدما منعوا من تأشيرة الدخول القانونية. ووسط أوضاع لا يحسدون عليها يتقاسمون خلالها الجوع والمرض والاستبداد، يوظف الأفارقة قوارب صغيرة لا وسائل نجاة فيها، بقصد الوصول إلى لاس بالماس أو جزر الخالدات على البحر المتوسط التي أضحت مع نهاية التسعينيات قبلة للهاربين من جحيم الفقر الأفريقي والحالمين بغد أفضل في القارة العجوز.
وتشكل مدينة نواذيبو (شمال موريتانيا)، التي باتت المدينة الاقتصادية لموريتانيا والتي لا تبعد جغرافياً عن جزر الخالدات، قبلة لأبناء وسط وغرب أفريقيا الراغبين في الهجرة إلى أوروبا. وانتشرت في المدينة عصابات الهجرة وأسهمت الظاهرة في الحد من البطالة بين شباب المدينة الذين أصبح شغلهم الشاغل هو تسهيل هجرة الوافدين وسط مضاربات وصل سعر الشخص الواحد إلى ما يناهز ثلاثة آلاف يورو. وباتت قوارب الموت تنطلق بالعشرات يومياً من المدينة الساحلية الموريتانية، وخصوصاً مع اشتداد موجة الرياح التي ينتهزها الموريتانيون كوسيلة ناجحة لتهريب الراغبين في الهجرة، باعتبار أن خفر السواحل يتوقعون أن لا يبادر المهاجرون في الأوقات العصيبة لبدء مغامراتهم.
ولا تكاد تخلو شوارع نواذيبو من الراغبين في الهجرة، ويمكن زائرها أن يستمع إلى العديد من اللهجات الأفريقية، من الهاوسا وغيرها من اللغات الأفريقية التي وصل أبناؤها إلى المدينة الموريتانية. ويشيد الأفارقة بأسلوب التعاطي معهم في نواذيبو، ولا يشتكون من مضايقات الأمن، وهو ما يفسره أحد ضباط الأمن بأنهم يقيمون بطريقة سليمة ولا يخالفون شروط الإقامة، ومنهم من يعمل مع لبنانيين وعراقيين ومصريين في أفخم مطاعم المدينة.
وعلى مدى العقد الماضي لقي الآلاف مصرعهم من المغامرين في رحلات يطلق عليها الإسبان رحلات الموت، ورغم ذلك لا يزال الأفارقة يستعملون هذه القوارب للوصول إلى أوروبا.
وأوضح علي امبودج، وهو سنغالي في الثامنة والعشرين، لـ«الأخبار» أنه حاول الهجرة ثلاث مرات وأرغم على العودة، إلا انه عازم على محاولة جديدة وينتظر بفارغ الصبر من يساعده على الهجرة.
بدوره ،قال الغاني صامويل إنه وبعض رفاقه يقومون بآخر محاولة، واذا لم تنجح فإنهم سيلتحقون بأحد أذرع القاعدة، سواء بوكو حرام او انصار الدين. ورأى صامويل أن اللون هو الذي يجعل الأوروبيين يعارضون هجرة الأفارقة. وأضاف أن أوروبا تستقبل اللاجئين من كل بلد إلا من افريقيا وهذا عمل مشين.
أما عاشتا با، وهي مالية، فأكدت أن العناية الإلهية انقذتها من الموت في احدى محاولاتها للجوء إلى اوروبا. وأضافت: «في 2007 غرق بنا القارب الذي كنا نركب، وبعون الله انقذنا خفر الشواطئ وذهبوا بنا إلى جزر الكناري حيث امضينا اياماً في العلاج وبعدها حملونا إلى هذه المدينة». وأكدت أنها ستكرر المحاولة وقت ما توافرت لها الظروف.
وفي هذا الإطار، أوضح النشطاء الحقوقيون أن موريتانيا، بموجب اتفاق مع إسبانيا، تؤدي دور «الشرطي»، ووجهوا اتهاماً إلى السلطات المحلية بعرقلة لجوء الافارقة إليها.
موضوع الهجرة ودور موريتانيا في الحد منها كانت موضوع البحث بين وزير الخارجية الاسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغالو مع الرئيس الموريتاني ووزير خارجيته في نواكشوط اول من أمس، بالاضافة إلى سبل تطوير التعاون بين الحكومتين في مجال مكافحة الهجرة. وأعرب غارسيا مارغالو عن ارتياحه لمستوى هذا التعاون وجودته.