لا تماثيل كثيرة لجوزف ستالين في روسيا أو في دول الاتحاد السوفياتي السابق. صحيح، فبعضها أسقط في عهد نيكيتا خروتشاف، والبعض الآخر أزيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن، في الذكرى الستين لرحيله، برزت أكثرية جديدة في روسيا وفي دول الاتحاد السوفياتي السابق تقول إنه لا يمكن أحداً أن ينكر إنجازات القائد السوفياتي وإيجابيات حكمه على مختلف الصعد. وتزامناً مع ذكرى رحيل ستالين في 5 آذار 1953، عبّر المواطنون، بأرقام لافتة، عن «إعجابهم» بـ«الأب العزيز» و«احترامهم» لما حققه.
في عام 2012 احتلّ جوزف ستالين المركز الأول بين الشخصيات التاريخية البارزة في روسيا. ومنذ أشهر وقّع أكثر من 100 ألف روسي عريضة تطالب بأن يُعاد إطلاق اسم ستالينغراد على مدينة فولغوغراد. وفي الذكرى الـ 70 للانتصار على النازية في 2 شباط الماضي، ألصقت صور ستالين على باصات النقل العام في بعض المدن الروسية. وأمس، وضع نحو ألف شخص وروداً على ضريح الرئيس السوفياتي السابق في الساحة الحمراء عند جدار الكرملين. تلك الظواهر المعبّرة رافقتها استطلاعات رأي في أكثر من دولة، أجريت تزامناً مع الذكرى. نتائج تلك الاستطلاعات بيّنت أن أكثر من نصف المستطلَعين في روسيا وجورجيا وأرمينيا يرون في ستالين «قائداً حكيماً». كثير من هؤلاء قالوا أيضاً إنهم «بحاجة اليوم إلى قائد مثل ستالين لإحلال النظام في بلادهم».
بعد 60 عاماً على رحيله، وتصنيف الغرب له كـ«أسوأ طاغية في القرن العشرين بالتساوي مع أدولف هتلر وماو تسي تونغ» والترويج لتلك الفكرة منذ أيام الحرب الباردة، يبدو أن ستالين لا يزال يحتفظ بصورة إيجابية في ذاكرة من عاصروه. البعض يقول إن هناك ستالينَين في الأذهان: الأول هو الطاغية الذي ارتكب أخطاءً عديدة بحق شعبه، والثاني هو البطل الوطني الذي انتصر على النازية وطوّر الصناعة في البلاد.
معهد «كارنغي إنداومنت» أجرى استطلاعاً واسعاً في كل من روسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، عن علاقة المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية حالياً بشخص ستالين. هو «القائد الحكيم الذي قاد الاتحاد السوفياتي إلى المجد والازدهار»، هكذا رآه 47% من المستطلَعين في روسيا، وفي جورجيا بلغوا 68%، في أرمينيا 55%، وفي أذربيجان 44%. لكنه كان أيضاً «طاغية قاسياً سبّب مقتل ملايين المواطنين الأبرياء». 65% وافقوا على ذلك في روسيا، 53% في جورجيا، 69% في أرمينيا، و68% في أذربيجان. لكن محللي الاستطلاع صُدموا بالأرقام المرتفعة نسبياً بين المواطنين الذين قالوا: «نحن بحاجة إلى أن يحكمنا قائد مثل ستالين يطبّق النظام في البلاد»؛ إذ بلغت نسبتهم 38% في أرمينيا و30% في روسيا.
مركز «ليفادا» الروسي للاستطلاعات، أجرى أيضاً رصداً لآراء المواطنين في روسيا لمناسبة ذكرى رحيل ستالين، والنتائج بيّنت أن 49% من الروس يقوّمون دور ستالين في تاريخ الاتحاد السوفياتي بـ«الإيجابي». لكن اللافت أيضاً في الاستطلاعات كان النسب العالية التي بيّنت «جهل» الشباب لما يرمز له ستالين وعدم معرفتهم بتاريخه أو حتى بشخصه.
الأمين العام للحزب للشيوعي الروسي، غينادي زيوغانوف، ذكّر أمس بالإنجازات التي حققها الاتحاد السوفياتي في العهد الستاليني مثل «تطوير الصناعة، الانتصار في الحرب الوطنية الكبرى على النازية، اكتشاف الذرّة وتطوير التكنولوجيا النووية، وتحقيق أول رحلة إلى الفضاء وغيرها على الصعيد الداخلي والخارجي». أما ناشطو حقوق الإنسان في روسيا، فيشيرون إلى أن «الأثمان التي دفعها المواطنون لتحقيق تلك الإنجازات في عهد ستالين كانت كثيرة وستبقى محفورة في الأذهان لفترة طويلة».
يذكر أن ستالين هو من أكثر الشخصيات السوفياتية السابقة التي تحاربها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أيضاً، وهذا ما يؤثر على شرائح واسعة من المجتمع الروسي ومجتمعات أوروبا الشرقية. ويشير متابعون إلى أن الجدل بشأن الغاية والوسيلة والأثمان التي تدفع لتحقيق مصلحة وطنية سيبقى قائماً، وخصوصاً حول الحقبة السوفياتية، والشارع سيبقى مقسوماً حيال ستالين. هذا الانقسام برز في أغلفة بعض الصحف الروسية أمس؛ إذ نشرت صحيفة «موسكوفسكي نوفوستي» صورة لستالين رُسم عليها غرافيتي ساخر مع عبارة «وداعاً ستالين». أما صحيفة «سوفيتسكايا روسيا» فكتبت على غلافها تحت إحدى صور ستالين: «زمنه آتٍ».