خاض الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الجولة الأولى من المواجهات المتوقعة بينه وبين الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية. اتخذ قراراً تنفيذياً يتعلق بحوالى 5 ملايين مهاجر غير شرعي من أصل 11 مليوناً يعيشون في الولايات المتحدة، وسمح لأي مهاجر غير شرعي مقيم في بلاده، منذ أكثر من خمس سنوات، وله طفل أميركي، أو يحمل «البطاقة الخضراء»، بأن يطلب الحصول على تصريح بالعمل مدته ثلاثة أعوام.
تخطى الرئيس الأميركي الكونغرس، الذي فشل سابقاً في إقرار إصلاح لقانون الهجرة. وفتح بذلك الباب أمام استفزازات واقتراحات قدمها أعضاء من الحزب الجمهوري، لعرقلة تنفيذ قراراته، حتى إن بعضهم وصل إلى حدّ التلويح بتعطيل جديد للحكومة الفدرالية، كالذي حصل العام الماضي رداً على قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية (أو ما يعرف بـ«أوباما كير»). وقد دام حينها هذا التعطيل 16 يوماً وأدخل 800 ألف موظف فدرالي في إجازات لأجل غير مسمى، بعدما فشل الكونغرس في تمرير تشريع تمويل السنة المالية 2014.
ولكن كيفية مواجهة قرارات الرئيس الأميركي خلقت، أيضاً، انقساماً داخل الحزب الجمهوري نفسه. وإن اتفق معظم أعضائه على نعت أوباما بالـ«إمبراطور» أو «الملك»، وغيرهما من الصفات التي استخلصوها من «تصرفه الأحادي»، لكن يبقى منهم من هم أكثر اعتدالاً في اختيار طريقة الرد على القرار الأخير. فكثيرون تُحركهم ضمناً مصالح شخصية، تدور عجلتها ببقاء ملايين المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، لتسيير الأعمال بأقل كلفة ممكنة. أضف إلى ذلك أن قادة الحزب الجمهوري لا يريدون المخاطرة في تبديد أي فوز نالوه في الانتخابات النصفية. ومن هؤلاء، السيناتور الذي سيتولى رئاسة الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، ورئيس مجلس النواب، جون بوهنر، اللذان لا ينويان الدخول في هذا الصراع، «ذلك أن تعطيل عمل الحكومة الذي حدث في عام 2013، أحدث كارثة سياسية بالنسبة إلى الجمهوريين»، وفق مجلة «نيو ربابليك».
ولكن الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري يرى عكس ذلك. فبرأي السيناتور تيد كروز، الذي ينتمي إلى حركة «حزب الشاي» المحافظة المتطرّفة، والذي يعد مهندس التعطيل الحكومي السابق، إن هذا التعطيل «لم يؤثر سلباً على حزبه في الانتخابات النصفية»، بل إن كروز تساءل: «لماذا على الحزب الجمهوري أن يخاف الآن، إذا كان الأمر يتعلق بالهجرة؟».
وبناء على ذلك، فإن من البدائل التي يطرحها كروز وغيره من الجمهوريين المتحمسين لإعاقة خطط أوباما، هي منع تمويل وزارة الأمن الداخلي (الوكالة المنوطة تطبيق قوانين الهجرة)، ما يعني أن أوباما قد يستخدم الفيتو في وجه هذا الإجراء، وما سيخلق بالتالي اشتباكاً حزبياً حكومياً لا تحمد عقباه.
ولكنّ كروز تخطى هذه المرحلة أيضاً، ووصل إلى حدّ دحض كافة الادعاءات التي تشير إلى أن الإمساك بتمويل الحكومة كـ«رهينة»، لمنع خطة أوباما إيقاف ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، قد يؤثر سلباً على الحزب الجمهوري. وخلص في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، الأحد، إلى النتيجة التالية: «لقد فزنا في انتخابات تاريخية، ربحنا 9 مقاعد في مجلس الشيوخ، وقضينا على هاري ريد (زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ)، وحصلنا على أعلى غالبية في مجلس النواب منذ عام 1920، وذلك بناء على قضية كبرى كانت محور حملتنا الانتخابية، وهي أوباما كير».
وبالنتيجة، حتى لو كان تعطيل الحكومة الفدرالية بعيد التحقيق، حالياً، بسبب عدم وجود إجماع حوله، إلا أن أساليب أخرى، خرج بها المحافظون، لا تقلّ ضرراً بسلطة الرئيس الأميركي خلال السنتين الباقيتين من فترة ولايته.
ففي المقابلة ذاتها، طالب تيد كروز الجمهوريين بتجنّب الموافقة على المرشحين الذين سيسميهم أوباما لأيّ من المناصب التنفيذية أو القضائية، حتى يعدّل في قراره الأخير بشأن الهجرة غير الشرعية، ما يطرح تساؤلات عن الصعوبات التي سيواجهها الرئيس الديموقراطي، لتعيين بديل عن وزير الدفاع المستقيل، تشاك هاغل.
وبناءً عليه، فقد كتبت جينجر جيبسون، في «انترناشونال بيزنس تايمز»، أن «الوضع في واشنطن أصبح ساماً، بحيث أن كل شيء يتطلب في العادة موافقة الكونغرس، سيدخل في عملية مضنية، خلال السنتين المقبلتين»، مضيفة أن «الكفاح من أجل الموافقة على وزير دفاع جديد قد يستغرق أشهراً».
كذلك، فقد أكد الرئيس المنتهية ولايته للجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب، الجمهوري بوك ماكيون، لشبكة «سي ان ان»، أن «الرئيس باراك أوباما سيواجه وقتاً عصيباً من أجل تمرير أي مرشح».
وربط ماكيون بين إعلان الأمر التنفيذي حول الهجرة وتمرير الأسماء الذي سيرشحها باراك أوباما لشغل المناصب التنفيذية والقضائية. وقال إنه «منذ استيلاء الجمهوريين على الكونغرس، لم يسعَ (أوباما) لتطوير علاقته بهم، بل على العكس من ذلك، ساهم في الإساءة إلى هذه العلاقة من خلال القرار التنفيذي الذي أصدره الأسبوع الماضي».