تسارعت الأحداث في شرق أوكرانيا يوم أمس، مع عملية عسكرية مفاجئة شنتها القوات المسلحة على مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك الخاضعتين لسيطرة موالين للكرميلن، في خطوة أوقعت عشرات القتلى والجرحى، وانعكست تصعيداً سياسياً ضد موسكو، عبّر عن نفسه في أروقة مجلس الأمن، حيث تعرض المندوب الروسي لسلسلة من الهجمات الغربية، وفي العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، حيث ألغى جون كيري محادثات هاتفية كانت مقررة مع سيرغي لافروف.
تصعيد كانت مؤشراته ظاهرة، لكنه كان أبعد من مستوى التوقعات. ليس لكون كييف عاجرة، عسكرياً، عن القيام به. وليس أيضاً لكون الغرب أكثر جبناً من أن يدفع باتجاه حراك من نوع كهذا، هو الذي امتنع حتى اللحظة عن فرض عقوبات ذات معنى على روسيا، التي يحملها مسؤولية كل ما يحصل في أوكرانيا، بل نظراً إلى حجم المغامرة وتداعياتها.
فبعد كل ما حصل، مذ بدء الأزمة الأوكرانية الداخلية، مروراً بفصل القرم عن كييف، ومع كل ما رافق ذلك من تصلب روسي، تمظهر في أكثر من نقطة مفصلية، بات واضحاً للجميع أن حشر موسكو في الزاوية ليس خياراً حكيماً، وخاصة في خضم ما وصف بأنه عودة إلى أيام الحرب الباردة، وفي أوج تعبير روسيا عن طموحاتها ونزعتها القيصرية.
ولا شك في أن لإقدام الجيش الأوكراني على هذه المخاطرة، ما كان ممكناً من ضوء ضوء أخضر أميركي، ترجمه كيري في رفضه بحث هذا الملف مع لافروف أمس. ولا شك أيضاً في أن الضوء الأخضر هذا مبني على تقدير موقف أميركي يضع احتمالين امام صانع القرار في الكرميلن: الأول، وهو الأرجح بنظر واشنطن على ما يبدو، الإذعان للهجوم الأوكراني المباغت والتخلي عن الحلفاء في الشرق، وبالتالي تخسر روسيا كل ما حققته حتى اللحظة في أزمة القرم، وتعود إلى مصاف الدول الرقم 2، حتى في ساحتها الأوراسية. وفي هذه الحالة، يكون الغرب قد فرض معادلة جديدة، ورسم سقفاً لتنامي القوة الروسية، ولقنوات التعبير عنها، لا يمكن لموسكو تجاوزه في المستقبل، مع ما يعنيه ذلك من إحباط في صفوف الموالين للكرملين. لكنه سيناريو يتطلب حسما سريعاً في الشرق يحول دون قدرة روسيا على دعم الحلفاء، برغم ما أظهرته القوات الروسية من دينامية ورشاقة في أزمة القرم.
إسرائيل بدأت
تدرك أنه تم إنجاز تقدم مهم في المفاوضات

والثاني، المسارعة إلى التورط في النزاع لصد «عدوان كييف»، مع ما يحمله ذلك من نشوب مواجهة عسكرية بين الجيشين يمكن أن تتدحرج بسرعة إلى حرب إقليمية يكون حلف شمال الأطلسي أحد أطرافها.
لكن القياس على التجارب السابقة يجعل من الصعب التنبؤ برد فعل الرئيس فلاديمير بوتين. فاستعادة لما حصل في أزمة جورجيا، يجري ترجيح كفة المسارعة إلى الخيار العسكري، كما حصل عندما دخل الجيش الروسي اقليمي ابخازيا وأوسيتيا. كذلك الأمر، فإن استعادة لما حصل في القرم، يظهر أن موسكو اعتمدت تكتيك النفس الطويل: الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في الداخل، مع دعم سياسي ومادي معني وعسكري. فأي من الخيارين سيُعتمد اليوم؟

اشتباك دبلوماسي

قال مصدر دبلوماسي روسي إن لافروف طلب إجراء محادثات هاتفية مع كيري كانت ستتطرق للوضع في سوريا، لكن الأول طلب اضافة الوضع في اوكرانيا الى جدول المباحثات «فأجلت واشنطن على الفور المباحثات الهاتفية حتى صباح السبت على الاقل».
أما في مجلس الأمن، الذي عُقد بناء على طلب روسي لمناقشة التصعيد في أوكرانيا، فقد اتهم مندوب فرنسا جيرارد أرو روسيا بوقوفها وراء زعزعة الاستقرار في هذا البلد، قائلاً «نحن نسعى منذ أسابيع هنا في هذه القاعة إلى منع تصعيد الموقف، لكن روسيا تسعى من جانبها الى تصعيد التوتر في أوكرانيا». أما نظيره البريطاني مارك ليال غرانت، فقال «لا أحد يرضى هنا بأن يحتل مسلحون المباني الحكومية، كما لا أحد يمكن أن يصدق المزاعم الروسية بأن متظاهرين سلميين أسقطوا طائرتين تابعتين لسلاح الجو الأوكراني».

... وتصعيد عسكري

ترافق ذلك مع إعلان مصادر طبية في مدينة كراماتورسك جنوب شرق أوكرانيا سقوط العشرات بين قتيل وجريح في معارك نشبت بين الدفاع الذاتي للمدينة والجيش الأوكراني، الذي بدأ اقتحامها مساء أمس في إطار العملية العسكرية التي شنتها سلطات كييف. ونقلت وكالة «نوفوستي» عن المصادر قولها إن هناك قتيلين على الأقل، وجرى نقل الجرحى إلى المستشفيات.
وكانت وزارة الداخلية الأوكرانية قد أعلنت في وقت سابق مقتل 38 شخصاً وإصابة 50 آخرين، بينهم 10 من رجال الأمن في حريق بمقر النقابات في أوديسا شرق أوكرانيا، أضرمه عناصر متطرفون من «القطاع الأيمن».
وقالت المتحدثة باسم الانفصاليين «إنه هجوم شامل»، مضيفةً أن «مدينة بيلباسيفكا يحتلها» عسكريون أوكرانيون.
وكانت وزارة الدفاع الأوكرانية قد أعلنت في بيان في وقت سابق، إسقاط مروحيتين تابعتين للجيش الأوكراني من طراز «Mi-24»، ومقتل جنديين أوكرانيين، خلال العملية الأمنية. وأفاد جهاز أمن الدولة الأوكراني بأن مروحية ثالثة تُقِل طاقماً طبياً أصيبت، مما أدى الى إصابة أحد العاملين في الطاقم الطبي.
وسيطر الجيش الأوكراني على نقاط تفتيش، كانت مجموعات المحتجين قد أقامتها في محيط مدينة سلافيانسك، عقب انسحابهم منها إلى نقاط تفتيش داخل المدينة، بسبب الحصار الذي فرضه الجيش الأوكراني. وأوضح أحد قادة المحتجين أنهم سينسحبون تدريجياً إلى مركز المدينة، وسيشتبكون مع الجيش الأوكراني هناك.
كذلك أكدت شرطة مدينة أوديسا جنوب أوكرانيا مقتل شخص وإصابة العشرات في اشتباكات بين القوميين المتطرفين ومؤيدي الفدرلة في المدينة أمس.
وكان لافتا إعلان كييف، قبل ساعات من بدء الهجوم، العمل فوراً بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية، وذلك على خلفية تدهور الوضع في شرق البلاد، بحسب مرسوم وقعه الرئيس الانتقالي اولكسندر تورتشينوف.
في المقابل، قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، إن «روسيا تعبّر عن استيائها من العملية العسكرية العقابية بمشاركة الإرهابيين من «القطاع الأيمن» وغيرها من المنظمات القومية المتطرفة». وأضافت الوزارة أن «النظام في كييف، الذي نسف الاتفاق الموقع في 21 شباط الماضي، انتهك التزاماته وفق اتفاقية جنيف التي جرى التوصل إليها في 17نيسان، والتي تطالب بوقف كافة أشكال العنف على نحو فوري».
وفي بيان آخر، حمّلت الحكومة الروسية، في بيان، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، «مسؤولية كبيرة في دعم قرار الانقلابيين في استخدام القوة لقمع الاحتجاجات، كما أنهم قطعوا الطريق أمام التسوية السلمية للأزمة».
وادعى البيان وجود جنود يتحدثون اللغة الإنكليزية في صفوف وحدات الجيش الأوكراني، المشاركة في العملية العسكرية، مشدداً على أنه لا يمكن قبول أي تدخل أجنبي في أوكرانيا. وفي الختام، حذر البيان من أن الاستعانة بالجيش ضد الشعب ستجر البلاد إلى كارثة.
ودعا رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف أمس السلطات الأوكرانية إلى «التوقف عن قتل مواطنيها». وكتب رئيس الحكومة، على صفحته على فيسبوك، أن «اللجوء إلى القوة في جنوب شرق أوكرانيا دليل عجز إجرامي من جانب سلطات الأمر الواقع في كييف». وأضاف أن «السلطات يجب أن تعود إلى رشدها... وإلا، فإن البلد سيواجه مصيراً محزناً»، مشيراً إلى أن «مسؤولية الحرب على شعبهم تقع على الذين يتخذون قرارات في كييف».
(الأخبار)




أوباما يتوعد بتصعيد العقوبات

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس إن الولايات المتحدة ستتحرك لفرض عقوبات على قطاعات كاملة في روسيا إذا عرقلت موسكو خططاً لإجراء انتخابات في أوكرانيا هذا الشهر.
وكان أوباما يتحدث للصحافيين في البيت الأبيض بعد محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أيدت أيضاً التحرك لفرض عقوبات أوسع، قائلة إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيواصلان العمل المشترك على هذه القضية.
وقال أوباما «الخطوة المقبلة ستكون نظام عقوبات أوسع على قطاعات بكاملها». واتفقت ميركل معه قائلة إن الخامس والعشرين من أيار الجاري هو تاريخ مهم و«سنحرص على أن تجرى الانتخابات».
وكرر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الثلاثاء، حين قال في خطاب نشرت منه مقتطفات، إن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تحتاج الى زيادة الإنفاق العسكري بسبب الإجراءات التي تتخذها روسيا في أوكرانيا.