ندّدت روسيا أمس بالاستغلال السياسي لحادثة تحطم الطائرة الماليزية في شرق أوكرانيا في 17 تموز من العام الماضي، معلنة أنها ستبذل قصارى جهدها لتحديد الأسباب الحقيقية للكارثة، وأتى ذلك بعد ساعات من استخدام موسكو حق «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الامن الدولي يقضي بإنشاء محكمة خاصة بالحادثة.
وجدد أمس المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، «أسف» بلاده لاستمرار رفض الذين يتولون التحقيق في الحادثة التعاون مع موسكو، قائلاً إن الأخيرة ستبذل كل ما في وسعها للكشف عن السبب الحقيقي للكارثة التي أودت بحياة 298 شخصاً. «الشيء الأهم هو الكشف عن المذنبين، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق تحقيق موضوعي وغير منحاز، لا يعرقله أيّ تسييس أو ضوضاء سياسية»، نقلت وكالة «سبوتنيك» عن بيسكوف، الذي أدان أيضاً «الانتقائية» التي يبديها المحققون في التعامل مع المعلومات ذات الصلة.
وفي هذا السياق، أشار بيسكوف إلى امتناع أوكرانيا عن التعاون والإجابة عن أسئلة كثيرة طرحتها روسيا، خاصة حول سبب رفض كييف الإفراج عن تسجيلات المكالمات بين المراقبين الجويين الأوكرانيين وطاقم الطائرة المنكوبة.
وفي سياق متصل، رأت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن مشروع القرار الذي قدمته ماليزيا إلى مجلس الأمن، نيابة عن الدول المشاركة في التحقيق في الحادثة، مسيّس، مبدية أسفها لتجاهل أصحاب المشروع إلحاح موسكو على أن الخطوة سابقة لأوانها وضارة ولا سابق لها، ذلك أنها تأتي قبل الانتهاء من التحقيق بفترة طويلة.
وأبدت الوزارة أسفها لتجاهل داعمي المشروع قراراً بديلاً قدمته موسكو، يدعو إلى «الاستعانة بآليات الأمم المتحدة لإنجاز التحقيق الدولي الكامل والشفاف والموثوق به، تمهيداً لإيجاد أنسب شكل للمحاكمة، استناداً إلى القرار 2166، الذي لا يمكن التوصل إلى معرفة هوية مرتكبي الجريمة ومعاقبتهم إلا من خلال تنفيذه بشكل كامل».
واستغربت الوزارة، في بيانها، مسارعة أصحاب المشروع إلى التصويت على مقترحهم، من دون أن يبدوا استعداداً لمناقشة أي خيارات أخرى.
وكان ممثل روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، قد أشار أمس إلى أن المحققين الروس مُنعوا من الوصول إلى موقع تحطم الطائرة، خلافاً لغيرهم من المحققين، سائلاً بالتالي عمّا يضمن «نزاهة التحقيق»، ومنتقداً «الترويج العدائي في الإعلام» ضد بلاده.

مهّدت الحادثة لفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا

ووضع مشروع القرار كل من أستراليا وبلجيكا وماليزيا وهولندا وأوكرانيا، وتقدمت به ماليزيا، فيما دعمته المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، وامتنعت الصين وفنزويلا وأنغولا عن التصويت. وتتهم الدول الداعمة للمشروع وحدات الدفاع الشعبي في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك بإسقاط الطائرة بواسطة صاروخ روسي الصنع، ملمّحين إلى مسؤولية موسكو المباشرة عن الحادثة، رغم نفي روسيا القاطع لهذا الأمر.
وفي مقال نشره موقع "كونسورتيوم نيوز" أواسط الشهر الجاري، شبّه الكاتب روبرت باري حادثة تحطم الطائرة الماليزية بحادثة خليج تونكين، التي افتعلتها الولايات المتحدة لتبرير حربها على فييتنام في عام 1964. ورأى الكاتب أن حادثة الطائرة الماليزية «تُستخدم الآن لتبرير حرب باردة جديدة، فيما تسكت الاستخبارات الأميركية عمّا تعرفه» حول المسألة، مشيراً إلى استغلال «صدمة» الرأي العام الغربي، وتركيز «غضبه» على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كمتهم أول، وإبراز صوره على أغلفة المجلات والصحف الغربية، كتمهيد «لاصطفاف الاتحاد الأوروبي وراء الولايات المتحدة في دعمها للنظام الإنقلابي في أوكرانيا، وفرضه العقوبات الاقتصادية على روسيا».
وبحسب باري، فإن النفخ الإعلامي في الحادثة غطّى حتى على استخدام سلطات كييف للميليشيات النازية و«المجاهدين» الإسلاميين كـ«رأس حربة» ضد أهالي إقليم الدونباس (شرق)، الذين قرروا الانفصال عن كييف إثر استفتاء شعبي أعقب «الانقلاب» المعادي لروسيا في كييف. «كما في حالة خليج تونكين، كانت الأدلة حول قضية الطائرة الماليزية ضعيفة ومتناقضة منذ البداية. ولكن في الحالتين، وجّه المسؤولون الأميركيون أصابع الاتهام، وبثقة، إلى العدو»، يقول باري، سائلاً عن سبب السكوت المريب للاستخبارات الأميركية حول هذه المسألة، وذلك منذ أن نشرت تقريراً «يستند بشكل أساسي إلى (معلومات مصدرها) وسائل التواصل الاجتماعي» في 22 تموز من العام الماضي، أي بعد 5 أيام فقط على وقوع الحادثة.
(الأخبار، أ ف ب)