يبدو أن تمديد المهل التفاوضية في فيينا لم يحقق اختراقاً، بل بدأ مع الوقت يلقي الضوء على درجة اليأس الأميركية من التوصل إلى اتفاق نووي، أظهرته مشادة كلامية بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف حصلت، خلال أو على هامش الجلسة العامة الموسّعة بين السداسية وإيران، مساء الاثنين، وهو ما أدى بالرئيس الأميركي باراك أوباما، على ما يبدو، إلى وضع احتمال التوصل إلى اتفاق على مستوى أقل من 50%، بحسب ما أفادت به صحيفة «بوليتيكو»، أمس.
كل هذه التطورات لم توصد أبواب المفاوضات، ولكنها تزامنت مع معلومات من مصدر في الوفد الإيراني المفاوض حول جلسة موسعة عامة يبدو أنها ستعقد، نهار الجمعة، من دون وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هذه المرة، لانشغاله في قمتي دول «البريكس» و«شانغهاي»، ما يوحي بتأجيل وتمديد جديد لمسرح عمليات التفاوض النووي.
أوباما بدا متشائماً ووضع
احتمال التوصل إلى اتفاق
بنسبة أقل من 50%

وبحسب مصادر مطلعة على المشادة الكلامية، فقد تكلّم كيري مع ظريف بنبرة حادة، مهدداً بترك المفاوضات إن لم يوافق الإيرانيون على السيناريو الأميركي للخروج باتفاق، ولا سيما في ما يتعلق بموضوع رفع العقوبات، وبشكل أكثر خصوصية نقطة حظر السلاح عن إيران وما هو مرتبط بالبرنامج الصاروخي الإيراني. ظريف ردّ على كيري بحزم، فقد وقف وأشار إليه بسبابته قائلاً: «إن كنت ترغب في الانسحاب فلا تهدد، انسحب وحسب، أمرٌ آخر، تعلّم ألا تهدّد إيرانياً».
لحظتها، كانت الأصوات مرتفعة وذكرت مصادر مراقبة ومرافقة بأن الكلام اتخذ مستوى حدة عالياً، ولكن بعدها «ساد القاعة صمت رهيب قطعه وزير الخارجية الروسي قائلاً: ونحن الروس أيضاً لا نُهدَّد»، بحسب ما أفادت به مصادر أخرى.
حادثة المشادة الكلامية أدت إلى تأجيل جلسة موسعة كان من المفترض أن تعقد، صباح الثلاثاء، ولم تفلح وساطة مستشارة الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني ولا تدخل وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والصيني وانغ يي، في عقدها. ولكن وسط كل ذلك، فقد أشار مصدر في الوفد الإيراني، نقلاً عن ظريف، إلى إيجابية في دور موغوريني، خلال مسار المفاوضات.
في غضون ذلك، بدا بالنسبة إلى ظريف أن من الواجب إعادة التأكيد أن «إيران والدول الست لم تكن يوماً قريبة كما هي الآن إلى الاتفاق النهائي». ولكنه قال في مقال نشر في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، إن «النجاح بعيد عن أن يكون مؤكداً»، مضيفاً أن «المؤكد ما سيحصل لاحقاً، وهو أن الأشياء لن تعود إلى ما كانت عليه».
«قطعنا شوطاً كبيراً في المفاوضات، خلال 21 شهراً في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني»، قال ظريف، مشدداً في الوقت ذاته على أن «القرارات السياسية الجدية لا تزال بحاجة لأن تُتخذ». وذكّر بأنه «من أجل التقدّم، يجب إظهار الصدق ــ وأيضاً تغيير العقليات». وأوضح وزير الخارجية الإيراني أن «الاتفاق الوحيد الذي يمكنه الصمود أمام اختبار الزمن هو الاتفاق المتوازن». وقال: «لا تخطئوا: أي محاولة للكسب على حساب الآخرين سيكون وقتها قصيراً»، مؤكداً أن «إيران جاهزة لإتمام اتفاق عادل ومتوازن وهي حاضرة لفتح آفاق جديدة تلامس تحديات مشتركة وذات حجم أكبر بكثير».
وفي هذا المجال، أوضح ظريف أن «من بين هذه التهديدات، التطرف الوحشي المتزايد في الشرق الأوسط، الذي يمتد إلى أوروبا. وإذا لم يتم إيقافه سينتشر إلى أماكن أخرى».
من جهته، صرح نائب وزير الخارجية عباس عراقجي بأن نص الاتفاق بين إيران ومجموعة «5+1»، استكمل تقريباً، إلا الشق المتعلق بالحظر التسليحي. وكما ظريف، أكد عراقجي أن القضايا العالقة بحاجة إلى قرار سياسي من قبل الطرف المقابل. وقال: «نحن حرصاء على اتفاق جيد يضمن إلغاء العقوبات، بشكل عام، ولا بد أن تكون الأطراف الغربية مستعدة للتخلي عن العقوبات»، مؤكداً أن «أي مهلة لن تكون مقدسة بالنسبة إلينا، وبالتالي نحن مستعدون للبقاء في فيينا مهما تطلب الأمر»، ولكنه استبعد استمرار المفاوضات أشهراً، كما في السابق.
عن الخلافات الباقية، قال عراقجي إن «الأساسية منها اثنان أو ثلاثة، وفي المرحلة اللاحقة هناك خلافات أخرى قد تصل إلى سبعة أو عشرة لها أهمية قليلة».
كذلك، أشار إلى أن «الملحقات تناقش بشكل جاد بين رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ووزير الطاقة الأميركي ارنست مونيز وأطراف أخرى»، موضحاً أنها «شهدت تقدماً ملحوظاً وباتت تقترب من مراحلها النهائية». وذكر أن «الملحقات المتصلة بالحظر قد أنجزت بنحو 96% وبقيت ثلاثة مواضيع بسيطة»، مشيراً إلى أن «الملحقات المرتبطة بالتعاون السلمي النووي مع إيران قد اكتملت تقريباً».
وفيما أكد عراقجي أنه «بالفعل توصلنا إلى اتفاق يلغي جميع العقوبات في اليوم الأول من تنفيذه»، لكن لفت إلى أن «الخلاف ما زال مستمراً بشأن العقوبات التسليحية»، موضحاً في هذا المجال أن «الحظر التسليحي ليس مهماً، بحد ذاته، لكن لا يمكن الإبقاء عليه بهذه الصورة». ورأى أنه «إذا أرادت مجموعة 5+1 التوصل إلى اتفاق فما عليها إلا تغيير توجهها ونظرتها إلى العقوبات».
وتأتي هذه التصريحات في وقت أفادت فيه وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن دبلوماسي إيراني قوله إن طهران «قدمت حلولاً بناءة للتغلب على الخلافات الباقية. لن نبدي مرونة إزاء خطوطنا الحمراء».
لكن مسؤولين غربيين أشاروا إلى أنهم لم يسمعوا مقترحات جديدة من إيران يمكن أن تكسر الجمود، في وقت بدا فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما متشائماً بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب. فخلال اجتماع مع عدد من سيناتورات الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض، الثلاثاء، وضع أوباما احتمال التوصل إلى اتفاق على نسبة أقل من 50%، وفق ما نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن أحد السيناتورات الذي حضروا الاجتماع.
وفي هذا المجال، أشار السيناتور ديك دوربين إلى أن أوباما «قال إنه يعتقد أن الحظوظ في هذه المرحلة أقل من 50 في المئة وأنه لن يوافق على شيء يعتقد بأنه ضعيف وغير قابل للتنفيذ». ولكنه أضاف أنه «في حال التوصل إلى اتفاق يتوافق مع معاييره، يريد منّا تفحّصه بصدق وعدم الحكم عليه مسبقاً».
(الأخبار)