350 مليار دولار أميركي ثمن زيارة دونالد ترامب لمملكة الرمال، بينما ترى مصادر المنظمات الدولية أن 350 ألف إصابة كوليرا يمنية في طريقها إلى عدن وتعز وصنعاء. يموت اليمنيون بنوبات القيء والإسهال. تنشف جلودهم وتنكمش، بينما تجحظ عيونهم ويهترئون أحياءً.
يتحدّث الحوثيون وجماعة علي عبدالله صالح عن منظومة دفاع جوي وصواريخ باليستية تطاول مضارب بكر وتغلب في جدة والرياض، ويقول أشباه البشر في جدة والرياض إنّ الأميركي زودهم بمنظومات صاروخية تطيح صواريخ الروافض وهي في الأجواء. على ضفاف بحيرة القيء الكبيرة، لطالما وجد الغربيّ ضالته في أسباب النموّ والبقاء. في الحرب العراقية ــ الإيرانية ضخّ المتذابحون ألفي مليار دولار في شرايين عجلة الماكينات الغربية التي تنتج رفاهاً وحياة على الضفة الأخرى، بينما كانوا في الوقت عينه يهيلون التراب على مجاميع من الشباب بمئات الآلاف، ويؤسسون لأكبر مقبرة في العالم. لم يسقط صدام مسبّب المأساة، الذي طالت الحرب وطالت من أجل أن يسقط، إلّا بإرادة أميركية.

المليارات التي سيحملها معه ستعيد ترتيب
البيت الداخلي
سحبه الأميركي من جحره الوضيع ولفّ حبلاً ثخيناً حول عنقه الهزيلة في يوم أضحى «مبارك» ليكون للأضحية معنى. الذين هللوا لموت صدام ورقصوا على جثته هم أنفسهم ورثة المدرسة البائسة التي تآمرت على عبد الكريم قاسم الزعيم الثوري الأوحد الذي عرفه العراق. كان زنديقاًَ متحللاًَ من الضوابط الشرعية. قتل البائسون أجمل جياد العراق بأشنع الطرق، ورفضوا قبل ذبحه أن يعطوه شربة ماء طلبها ثمّ واصلوا لعن يزيد. لا يجهل الأميركي التاريخ، هو يتقن تماماً قراءة المستشرقين لصفحاته، ويعرف تماماً مواطن الإثارة في هذه الكائنات الملتحية. يعرف أنّ اللكنة الفارسية تثير في العرب غرائز زواحف لا تثيرها فيهم أي لكنة أخرى. رفع الإيراني شعار الوحدة والصحوة، روّج لمُنتَجه في حواضر العرب الحزينة لعقود. كان على الإيراني أن يدرك خطر الصحوة الإسلامية، فهي تعني استفاقة الإسلام بكليّته. خرجت الجهمية والقدرية والمعتزلة والأشعرية والصوفية، حتى تلك المنقرضة خرجت من جحورها. كان الأمر كارثياً. على أوتار المذاهب الإسلامية تعزف منظومة الرأسمالية العالمية وشركات النهب الكبرى سيمفونيتها، بينما تتراقص الأجساد الهزيلة على وقع الموسيقى الجنائزية المتوحشة. لا يشبه الفرس العرب في شيء. يعرف الفرس متى يقتحمون ومتى يتراجعون. مشهد طهران اليوم لا يشي بأي مظهر من مظاهر الراديكالية الإسلامية التي تتحدث شبكات «فوكس نيوز» عن مخاطرها. صبايا طهران يرقصن على وقع الموسيقى الغربية. خصل الشعر الأشقر تنفلت متمردة على غطاء الرأس المحتضر، تتسلل بكل جرأة. ينحسر الشادور، يتراجع إلى الأرياف البعيدة التي راهن عليها السيّد رئيسي وخذلته. ربّما لم يعد للأصوليين في طهران من يردّد خطابهم، فيما ــ وللمفارقة ــ تردّده نواحي البصرة وملحقاتها. يتحدّث قائد الأمة بكلّ ثقة عن «الأمن والأمان في إيران بينما المنطقة تشتعل». ذكاء الإيراني وذاكرته تبعده عن الرغبة في كونه وقوداً، حطباً للاشتعال. هذا ينافي الرغبة الأميركية. عشية الانتخابات حاول الأميركيون جاهدين استفزاز الناخب الإيراني ودفعه إلى التشدّد، موجة جديدة من العقوبات، كانوا يريدون القول إنّ ديبلوماسية حسن روحاني لم تحمل جديداً. سقط الأميركيون بصفعة من الاعتدال الإيراني، وفاز روحاني. إنّها مؤشرات الوعي القومي تماماً كما هي مؤشرات الانعزال عن «الأمة» إلا بما يخدم المصلحة الوطنية الإيرانية. ليس للعرب أوطان. مرة أخرى لا يشبه العرب الفرس في شيء. البداوة سمة عربية أصيلة، من السهولة بمكان زجّ القطعان العربية في أتون الموت الأسود، اللامجدي إلّا في حسابات الناهبين الكبار. المملكة العربية السعودية هي رأس حربة المتخلفين الذين يرفدون الرأسمالية بعبيد جدد، وهي مدفوعة اليوم برغبات غربية جارفة إلى البحث عن حروب كبيرة منتجة، فالحروب الصغيرة لا تكفي ما يسدّ جوع الغول الأميركي ومن خلفه المصانع الغربية المتنافسة على ترتيبها في السلّم الغذائي. المليارات التي سيحملها ترامب معه ستعيد ترتيب البيت الأميركي الداخلي وتنعشه في المواجهة مع «قوارض» الصين، وهي تنهش «السوق». يقال إنّ الصين تشتري كلّ حمير العالم، فللحمير مستقبل واعد في حركة السوق، وربّما فعل ترامب الأمر نفسه، وهو يفعله.