بدأت في تركيا أمس، أكبر محاكمة للمتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب لإطاحة الرئيس رجب طيب أردوغان، وبينهم العقل المدبر المفترض الداعية فتح الله غولن، الذي يحاكم غيابياً. ومن بين المشتبه فيهم الـ270، هناك 152 أوقفوا على ذمة التحقيق، ومعظمهم عسكريون، بينهم عدد كبير من الضباط السابقين من ذوي الرتب العالية، مثل الجنرال السابق المسؤول عن منطقة إيجه، ممدوح حق بيلان. ويحاكم أيضاً الجنرال صالح سيفيل، وهو رئيس أركان القوات البرية السابق في «حلف شمال الأطلسي».
أما المتهم الأول في هذه المحاكمة فهو الداعية غولن، المقيم في الولايات المتحدة، والذي تعتبره حكومة «العدالة والتنمية» المحرّض على محاولة الانقلاب، وهو اتهام ينفيه بشدة. ويواجه الأشخاص الذين يحاكمون في مدينة إزمير عدة تهم، من بينها «الانتماء إلى مجموعة إرهابية مسلحة».
وقالت تركيا إنها أرسلت «ملفاً جديداً للولايات المتحدة» لتدعيم «أدلتها»، للمطالبة بترحيل الداعية فتح الله غولن المستقر حالياً في بنسلفانيا، وفق تقرير في صحيفة «حرييت» التركية، نشر أمس. وقدمت تركيا هذا الملف بعد تولّي إدارة ترامب للرئاسة، وضمنته سلسلة من «الأدلة القوية»، ورد فيها أيضاً اسم «مشتبه فيه أساسي آخر» وهو عادل أوكسوز الذي سافر إلى الولايات المتحدة قبل أيام من الانقلاب. وتضيف الصحيفة أن الوثائق تتضمن تواريخ زيارات أوكسوز إلى الولايات المتحدة، حيث التقى «غولينياً آخر وهو كمال باتماز»، إضافة إلى تفاصيل عن رقم الرحلة والمقعد، وهي معلومات طلبتها السلطات الأميركية.
وأكدت وكالة «الأناضول» التركية أيضاً أن وزارة العدل أرسلت أدلة جديدة إلى واشنطن لتسليم غولن، في إطار محاكمة إزمير. وأضافت الوكالة أن التهم تشمل إفادات شهود بأن مخطط الانقلاب كان سيعرض على غولن من قبل عادل أوكسوز ليوافق عليه. وقال مسؤولون أتراك إن أوكسوز كان المكلف بالتنسيق بين غولن والجيش. ويشار إلى أن أوكسوز قد اعتقل بعد الانقلاب الفاشل ثم أفرج عنه، وهو حالياً فار.
وطلبت تركيا مراراً من الولايات المتحدة تسليمها غولن الذي انتقل للإقامة في هذا البلد منذ 1999. وأكدت إدارة باراك أوباما السابقة أن إجراءات قضائية محتملة يجب أن تأخذ مجراها، لكن أنقرة تأمل الحصول على رد سريع لطلب التسليم من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. يذكر أن غولن قد حوكم غيابياً في كانون الثاني الماضي في قضية اتهام أردوغان بالفساد في عام 2013. وتشمل التهم الأخرى الموجهة إلى المتهمين أيضاً «محاولة إطاحة النظام الدستوري» و«محاولة إطاحة البرلمان أو منعه من القيام بواجباته».
ووفق «حرييت»، فقد يتعرض المشتبه فيهم، في حال إدانتهم، لعقوبة السجن المؤبد، في محاكمة يتوقع أن تستغرق شهرين. وأضافت أن مدينة إزمير كانت المكان الأساسي الذي خطط فيه لمحاولة الانقلاب، واعتبرت «قاعدة لوجستية». وتم تشييد قاعة محاكمة خاصة لاستيعاب العدد الكبير من المتهمين، وسط إجراءات أمنية مشددة شملت تحليق طائرة من دون طيار فوق مبنى المحكمة واستخدام كلاب مدربة لكشف القنابل ووحدات كومندوس.
وقد بدأت محاكمات أخرى في اسطنبول ومدن أخرى، في ما يتوقع أن تكون أكبر محاكمة في تاريخ البلاد. ولا يزال 43 ألف شخص موقوفين بانتظار المحاكمة، بعد حملة تطهير واسعة، في ظل فرض حالة طوارئ بعيد الانقلاب لا تزال مطبّقة حتى الآن. وتم اعتقال عشرة عسكريين إضافيين، أمس، لصلاتهم بـ«حركة غولن». وفي كانون الأول، حوكم 29 شرطياً في اسطنبول لـ«عدم دفاعهم عن أردوغان»، في حين يحاكم 62 جندياً انقلابياً لاتهامهم بمحاولة الاستيلاء على مطار صبيحة في اسطنبول ليلة 15 تموز.
من جهة ثانية، قال وزير العدل التركي بكر بوزداغ إن عدم تسليم اليونان لـ«الانقلابيين الثمانية الفارين إليها هو بمثابة خطوة تلحق الضرر بعلاقات البلدين»، وعليه «قمنا مجدداً بإرسال الملفات المتعلقة بإعادة التسليم إلى اليونان».
وقد أصدرت محكمة الصلح الجزائية في اسطنبول، الخميس الماضي، قراراً غيابياً بحبس العسكريين الثمانية الذين تقول إنهم شاركوا في محاولة الانقلاب، قبل أن يهربوا إلى اليونان في اليوم التالي.
في السياق نفسه، قال وزير الدفاع التركي فكري إشيق، أول من أمس، إن على السلطات الألمانية رفض طلبات لجوء تقدم بها نحو 40 عسكرياً تركياً سابقاً تشتبه أنقرة في أن لهم صلة بمحاولة الانقلاب. وقال إشيق إن عدم رفض طلبات لجوء كتلك قد يضرّ بالعلاقات بين ألمانيا وتركيا.
وقد ذكرت وسائل إعلام ألمانية السبت أن نحو 40 عسكرياً تركياً، أغلبهم من رتب عليا عملوا في منشآت تابعة لـ«حلف شمال الأطلسي» في ألمانيا، طلبوا اللجوء. وأكدت وزارة الخارجية الألمانية تقدم عسكريين أتراك بطلبات لجوء، من دون الإفصاح عن عددهم. وقال إشيق إنه سيثير الأمر مع نظيره الألماني في مؤتمر أمني لـ«الأطلسي» يعقد الشهر المقبل، وإن قبول طلبات اللجوء سيؤثر على العلاقات بين البلدين. وقال إن هؤلاء العسكريين تقدموا بطلبات اللجوء بعد طردهم من الخدمة في الجيش عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)