يطل عيد الأضحى اليوم على الأراضي الفلسطينية، وسط أجواء من القلق والتوتر، تختلف بواعثها، إن لجهة الوضع الاقتصادي المتردي، الذي يحرم غالبية الفلسطينيين بهجة الاحتفال، أو لجهة الوضع الأمني الداخلي الذي يعيش على حافة الانفجار مع انسداد أفق الحلول السياسية بين الأطراف المتصارعة. الحزن يبدو السمة الأبرز للوضع في قطاع غزة في عيد الأضحى هذا العام. كل شيء في غزة يدعو إلى الحزن، من شح رواتب الموظفين إلى البطالة والتوتر الداخلي، إلى الحصار شبه الكامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع.
أول من يعاني في هذه الأجواء الكئيبة تجار الماشية في سوق غزة، الذين يبحثون عن زبائن من دون طائل. ويقول أحمد أبو وردة (30 عاماً): «لم أبع منذ الصباح سوى رأس ماعز واحد، في حين أنني بعت العام الماضي ثلاثين. خفضنا أسعارنا، لكن لا زبائن، الناس معدمون».
ويرفع الشرطي ناهد شعشاع (50 عاماً) نعجة بيديه سائلاً عن سعرها ثم يبتعد معلقاً: «العام الماضي اتفقنا، زملائي وأنا، على شراء بقرة، لكنني أبحث هذا العام عن خروف صغير، لأنه لا أحد يرضى بأن يشاركني». ويضيف: «سأدفع ثمنه من ثمن البرتقال الذي بعته من حقل والدي ومن عملي في البناء، أنا محظوظ».
وفرحة الأطفال بالملابس الجديدة والألعاب والحلوى غائبة. وبح صوت سامح شحيبر (26 عاماً) من الصراخ، لكنه أخفق في اجتذاب الزبائن إلى منصته المليئة بالسكاكر. ويقول: «أنا جندي، لكنني لم أقبض سوى 200 دولار منذ ستة أشهر، لذا أتدبر نفسي». ويضيف: «إنه عيد كئيب. الناس حزينون ولا يبتاعون شيئاً، من جهتي لا أملك مالاً لشراء خروف... سأحاول القيام بأمر ما مع العائلة».
وتحمل منى أبو غليون (50 عاماً) كيلوغراماً من البطاطا وترسم على محياها ابتسامة حزينة، وتقول: «أكتفي بالنظر. لا نزال أحياء بفضل مساعدات الأمم المتحدة، وما نقترضه من متجر المواد الغذائية، طبعاً سنتوجه إلى المدافن لزيارة الشهداء».
وفي الضفة الغربية، تختفي المظاهر الحيوية، فالأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم تلقي الموظفين رواتبهم، بالإضافة إلى انتشار الحواجز العسكرية الإسرائيلية، تمنع سكان الضفة من التحضير لاستقبال العيد.
ويعاني التجار والباعة في مدن الضفة الغربية كساد البضائع لديهم، وعدم تمكنهم من تسديد ما عليهم من ديون، وخصوصاً أنهم منذ أسبوعين قد زودوا محالهم بمتطلبات العيد، إلا أن الحركة الشرائية لم تكن تذكر أمام ما يكلفهم تجهيز المحال من أموال.
ويقول عماد الراس، صاحب محل لبيع الملابس والأحذية في نابلس، إن “هذا العام هو الأسوأ منذ انطلاق انتفاضة الأقصى، وإن البضاعة مكدسة منذ أشهر عديدة، ولا حركة تجارية مبشرة بالخير”.
ويقول الراس إن الجدار والحواجز والإغلاق والحصار الخانق كلها تصب في اتجاه الركود الاقتصادي، بل في كثير من الأوقات تصل إلى الشلل التام.
وعزا الموظف الحكومي شاهر عياش من مدينة الخليل سوء الأوضاع إلى الحصار المفروض على الفلسطينيين وانقطاع الرواتب، “ما كان له الأثر السلبي على حياتنا اليومية وعدم قدرتنا على شراء حاجيات البيت وملابس العيد وحتى دفع أجرة مكان السكن”.
وأبدى محمد جلايطة من مدينة رام الله استياءه من قدوم عيد الأضحى، مشيراً إلى أن العيد يوقعه بكثير من الإحراج لعدم قدرته على زيارة الأقارب وصلة الأرحام، “فاليد فارغة ولا نجد ما نقدمه”.
وتعاني محافظات الضفة الغربية انتشاراً واسعاً للحواجز العسكرية الإسرائيلية، التي تقطّع الأوصال وتحرم الآلاف منهم التوجه إلى أعمالهم ووظائفهم.
ويحرم جدار الفصل العنصري الكثير من العائلات التواصل مع أقاربها في كثير من مدن الضفة، وخصوصاً أن الجدار يلف كل المحافظات فيها.
(الأخبار، رويترز)