هدأت الأجواء نسبيّاً في تركيا أمس، وتوجّهت الأنظار نحو المحكمة الدستوريّة المولجة درس الطعن في صلاحيّة الانتخابات الرئاسيّة، والذي قدّمته المعارضة لمواجهة ترشيح وزير الخارجيّة عبد الله غول المنتمي إلى حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم. ومن المتوقّع أن تصدر المحكمة حكمها اليوم، إلّا أنّ رئيستها تولاي توكجو قالت إنّه يمكن أن يتأخّر بتّ القضاة الـ 11 المشكّلين لهيئة المحكمة، طعن المعارضة حتّى غد، وسيسبق بالتالي الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة في البرلمان التركي.
وإذا بتت المحكمة الأمر لمصلحة المدّعي، أي حزب «الشعب الجمهوري» (اشتراكي ـــ ديموقراطي)، وهو المعارض الرئيسي في البرلمان، فستلغى الانتخابات وسيُدعى لانتخابات تشريعية مبكرة في مهلة تمتدّ بين 45 و90 يوماً.
وفي تطوّر يظهر رغبة بالتصعيد، دعا زعيم «الشعب الجمهوري» دينيس بايكال إلى تأليف تحالف مناهض للحكومة يضمّ جميع أحزاب المعارضة. وقال، خلال مؤتمر صحافي أمس، إنّه «على القوى التي ترغب في حماية الجمهورية أن تتوحد»، متّهماً «العدالة والتنمية» بالتعامل بخشونة مع مخاوف الشعب بخصوص العلمانية.
وفي دلالة على الموقف الثابت للحكومة، قال رئيس البرلمان التركي بولنت أرينغ، وهو نائب عن «العدالة والتنمية» ويواجه اتّهامات من لكونه متشدّداً بشأن قضيّة «أسلمة» القصر الرئاسي، إنّه ينبغي استكمال عملية الانتخابات الرئاسية بنجاح.
في هذا الوقت، أعلن نائب رئيس الوزراء التركي، عبد اللطيف شنّر، أنّ «العدالة والتنمية» لم يصدر قراراً بشأن الدعوة إلى اجراء انتخابات عامة مبكرة لتدارك تفاقم الأزمة التي أثارتها قضيّة الانتخابات الرئاسيّة.
وتطرّق شنّر لتداعيات الأزمة على الاقتصاد التركي، مشيراً إلى أنّ البنك المركزي لديه احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي، وأنّ لأنقرة نظاماً مصرفياً سليماً، ولا مخاطر تتعلّق بسعر الصرف. وكانت الليرة التركية قد سجّلت تراجعاً كبيراً إزاء الدولار واليورو أمس، متأثّرة، مثل بورصة اسطنبول، بقلق المستثمرين من الجدل القائم.
وبشأن المواقف الدوليّة من الأزمة، جدّدت الولايات المتحدة أمس، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيّتها شون ماكورماك، ثقتها بالديموقراطية التركية، مقلّلة من احتمالات تدخل الجيش في الأزمة السياسية. وأشاد ماكورماك بعمل غول على رأس الدبلوماسية التركية، رغم التوتر الذي حصل أخيراً بين البلدين بسبب احتجاج أنقرة على استمرار نشاط الأكراد المطالبين بالانفصال عن تركيا من قواعد في شمال العراق.
وكان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي قد شدّد، في حديث عبر محطة «أل سي إي»، على ضرورة ذهاب الاتراك بالعملية الدستورية المتمثلة بالانتخابات الرئاسية حتى النهاية، مذكّراً بتمسّك الأوروبيين والفرنسيين بمبادئ العلمانية.
واتّفق المحلّلون أمس على اعتبار أنّ التظاهرة «العلمانيّة» الضخمة التي شهدتها اسطنبول أوّل من أمس، تعكس رغبة الأتراك في الدفاع عن نظامهم ضدّ أيّ تأثير إسلامي من دون إشارة خضراء كاملة للعسكريّين في الوقت نفسه.
وكانت صحيفة «دير شتاندرد» النمساوية قد اهتمت، في عددها الصادر أمس، بالخلاف حول السلطة في تركيا وإمكان أن يؤدّي إلى انقلاب عسكري، ورأت أنّ الأزمة السياسيّة التركيّة «تخفي على المدى المتوسط الكثير من الفرص الإيجابية بشكل يفوق الآثار المدمّرة»، عازيةً ذلك إلى أنّ «فكرة حدوث انقلاب علني في تركيا تماثل في عدم واقعيتها مسألة تأسيس دولة سنية خاضعة لحكم رجال الدين». وأضافت الصحيفة أنّ صناع القرار السياسي في تركيا يتعرّضون لضغوط خارجية وداخلية، مشدّدةًَ على أنّ «حلف شمالي الأطلسي والغرب لا يمكنهما تحمل قيام دولة عسكرية في جنوب أوروبا، بالإضافة إلى أن تأسيس جمهورية إسلامية تركية سيكون بمثابة نهاية آمال دخول تركيا للاتحاد الأوروبي».
(رويترز، أ ف ب، د ب أ، أ ب)