برلين ــ غسان أبو حمد
يبدأ في ألمانيا اليوم أسبوع الآلام والتعب، تظلّله التعازي التي قدّمتها القيادة السياسية والعسكرية إلى ذوي وعائلات الضحايا الثلاثة من الجيش الألماني الذين سقطوا في عملية التفجير التي استهدفتهم في أفغانستان أوّل من أمس، والاضطراب بين برلين وباريس في شأن الدستور الأوروبي، والتوتّر السائد في شوارع المدن تحضيراً لقمّة «الثماني الكبار»


ينعكس مقتل الجنود الألمان الثلاثة في مدينة قندوز في أفغانستان، على تركيبة السلطة الهشّة في برلين، القائمة على تحالف حزبين رئيسيين يضعفهما التحالف ويقويهما التناقض، وخصوصاً أنّ الخلاف مع فرنسا على الدستور الأوروبي بات واضحاً أنّه يُضعف نشاط الرئاسة الألمانية للدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، وأنّ متاعب الأمن الداخلي إثر التظاهرات والاضطربات المخيّمة على الشوارع قبيل انعقاد قمّة الدول الثماني الصناعية في 6 من الشهر المقبل، يزيد الأمور الداخليّة تعقيداً.
ويطلّ الأسبوع الجاري حاملاً معه جواً مفعماً بالحزن والحياء حيال الجنود القتلى، في حادثة انعكست سلباً على الواقع السياسي الحالي وهزّت أركان التجمّع الحاكم القائم أساساً على هشاشة التحالف بين الحزب «المسيحي ـــــ الديموقراطي» والحزب «الاشتراكي ـــــ الديموقراطي»، والذي تنتظر أطرافه مناسبة شبيهة بحادثة «قندوز» الأفغانية لتبرير مواقفها السياسية.
وليس مستغرباً تعرّض القوّات الألمانية العاملة في إطار قوّة «إيساف»، التابعة لـ«حلف شمالي الأطلسي» (الناتو)، في أفغانستان لعمليّة انتحاريّة، بسبب موافقة الحكومة الألمانية على إرسال سرب من طائرات الاستطلاع الحربية المتطوّرة «تورنادو» إلى البلاد المضطربة، في محاولة لكشف مخابئ قوات «طالبان» في شمالي أفغانستان.
هذا القرار، قضى على «الاستقلالية» و«السمعة الجيدة» التي كانت تتمتع بها ألمانيا، من خلال التزامها مشاريع إنمائية في محافظة «قندوز» (جنوب البلاد)، من دون التدخل المباشر في آتون الحرب الأميركية في شمال أفغانستان.
وكانت «طالبان» قد اعتبرت أن الطائرات الألمانية بدّلت من طبيعة ومهمّة وجود قوّات برلين، ووضعتها في موقع «العدو» المباشر، أسوة بالقوّات الأميركيّة الموجودة هناك، بعد أن كانت قد حذّرت منه أيضاً قيادة «الحزب الاشتراكي ــــ الديموقراطي». إلا أنّ التحذير لم ينفع، ولم يثن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قرارها.
متاعب أوروبية
لم تكن المتاعب الألمانية على الساحة الأوروبية أقلّ حجماً على الإطلاق من تلك التي على الساحة الدولية؛ فقد كشفت مجلة «دير شبيغل» الألمانيّة في عددها الأسبوعي الجديد، أنّه، وخلافاً للتسريبات الإعلامية التي رافقت اللقاء الأوّل بين الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي وميركل في برلين الأربعاء الماضي، والتي أشارت إلى «التضامن والتعاون» بين البلدين، فإنّ الخلاف والتباين السياسي حيال الملفات الأوروبية، كان واضحاً وكبيراً، وتحديداً الموقف من الدستور الأوروبي ومجالات التصنيع الحربي المشترك.
وأشارت «در شبيغل» إلى أنّ ساركوزي يمتلك «مشروعاً جديداً» لدستور أوروبي، سيطرحه في لقاء القمّة الأوروبية المقبلة، المقررة في أواسط الشهر المقبل في مدينة بروكسل. ولفتت إلى أنّه قد فاجأ المستشارة الألمانية، في الساعات الثلاث التي جمعتهما، بعدم استعداده للسير بصيغة الدستور الحاليّة، ويحمل في جعبته مشروع «ميني ـــــ دستور» أوروبي بديل، ويأمل اكتمال النصاب حوله واكتمال الموافقة الأوروبي عليه.
والجدير ذكره في هذا المجال أنّ ألمانيا تخشى طرح برامج جديدة عن صيغة الدستور، خوفاً من تعميق الخلافات، وربما توليد الانفجارات والقلاقل الداخلية في بعض البلدان الأوروبية، وتحديداً تركيا، التي تعاني حالياً البلبلة و«نهوض» الإسلاميين المتطرفين، إذا رفض الدستور بصيغته الفرنسية، العضوية الأوروبية الكاملة لتركيا.
وإلى هذا الملف الشائك، يمكن إضافة عامل خلاف آخر على طاولة التعاون الألماني ـــــ الفرنسي، وهو ملف الصناعة العسكرية المشتركة بين الدولتين، وتحديداً في مجال صناعة الطيران، أي العملاق «إيرباص».
وعليه، وخلافاً لوصف ميركل للعلاقة الفرنسية ـــــ الألمانية بأنّها «مقدّسة»، تذهب المجلة المذكورة إلى التكهّن بمتاعب مستقبلية كثيرة بين الدولتين، وتستند إلى قول أحد الدبلوماسيّين الأوروبيين القدامى، على معرفة تامّة بساركوزي، بأنّ العلاقة بين القيادة الألمانية والرئيس الفرنسي الجديد لن تصل إطلاقاً إلى مستوى العلاقة الألمانية ـــــ الفرنسية الجيدة، التي سادت أيام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
... ومتاعب أمنية داخلية
وبالحديث عن أسبوع الآلام الألماني، لا يمكن القفز إطلاقاً فوق حال الفوضى والاضطراب التي تتحكّم في شوارع المدن الألمانية على أعتاب قمة الدول الصناعية المقررة في مدينة «هايليغندام» في السادس من الشهر المقبل. فالاستعدادات الأمنية بدأت مبكرة، والدعوات إلى التظاهر باتت قي صناديق بريد المواطنين الألمان، متزامنةً مع تشديدات من وسائل الإعلام على أنّ ألمانيا مقبلة على عتبة من الفوضى والبلبلة. وهذا ما تؤكّده إجراءات التشديد المضروبة حول رجال الإعلام والصحافة الذين يتقدمون بطلبات اعتمادهم لتغطية نشاط «قمّة الكبار».
طلب الاعتماد يخضع لرقابة وتدقيق من جانب السلطات الأمنية، والدخول إلى تفاصيل ومواعيد المسار اليومي للقمّة، يكون عبر شبكة «الإنترنت» فقط، وعبر «مفتاح» (باس وورد) يحصل عليه الصحافيون «المسالمون ربّما».