غزة ــ رائد لافي
الدقيق يكفي أسبوعاً و«حماس» تحذّر التجار من رفع الأسعار و«الفتحاويون» يغادرون القطاع

تسيطر حال تشبه «الهوس» على سكان غزة، حيث تهافتوا على الأسواق والمخابز ومحطات الوقود، لتأمين أنفسهم بكميات إضافية من المواد الأساسية، تحسباً من «المستقبل المجهول» الذي ينتظرهم بعد «الانقلاب الدرامي» وسيطرة حركة «حماس» على مفاصل الحياة في القطاع.
وشُغل الفلسطينيون، غداة أسبوع دام من المعارك الشرسة بين حركة «حماس» والأجهزة الأمنية الموالية لحركة «فتح»، في التفكير العميق في تساؤلات عديدة لا يمتلك الطرف المنتصر إجابات عنها، فضلاً عن المواطن العادي.
وغابت المظاهر المسلحة التي ميزت شوارع وأزقة القطاع في الأشهر الماضية، فيما انحسر وجود المسلحين الموالين لحركة «حماس» في بعض الشوارع لتنظيم الحركة المرورية وتفتيش السيارات «المشبوهة»، بالتزامن مع حملة جمع السلاح التي تقوم بها «كتائب القسام» من منتسبي الأجهزة الأمنية الموالين لحركة «فتح».
وعبّر مواطن فلسطيني من سكان مدينة رفح، جنوب القطاع، عن خشيته من عودة الاقتتال إلى الشوارع، بعد فترة وجيزة تعيد في خلالها حركة «فتح» توازنها إثر الضربة القاسية التي تعرضت لها. وقال المواطن، مفضلاً عدم ذكر اسمه، «إن فتح تعيش حالاً من اختلال التوازن في هذه الآونة، لكن من المتوقع أن تفيق الحركة من حالتها الراهنة، وتنظّم صفوفها بغية الانتقام من الانقلاب الحمساوي الذي طاول كل مؤسساتها الأمنية في القطاع».
غير أن محمد، وهو شاب في العشرينات من عمره ومعروف بولائه لحركة «حماس»، قال إن ««فتح» لن تجرؤ على الرد أو محاولة استخدام العنف من جديد، بعد هروب عدد كبير من قادتها إلى الضفة الغربية ومصر، عقب الانتصار المؤزر الذي حققته حماس».
وضاعفت «حرب المراسيم والقرارات» بين الجبهتين، من القلق الذي ضرب أطنابه في نفوس سكان القطاع، بفعل ضبابية المرحلة المقبلة، وسط إصرار كل جانب على موقفه متسلحاً إما بشرعية القوة أو بشرعية القانون، الذي انتهكه الطرفان غير مرة.
ووسط توارد الأنباء عن اتجاه إسرائيلي لوقف تدفق الوقود على القطاع، اصطفت مئات السيارات الخاصة والعمومية منذ ساعات الصباح أمام محطات الوقود للتزوّد بكميات اضافية من المحروقات، فيما شُغل آخرون بالتزود بالمواد الأساسية لمواجهة حلقة جديدة من الحصار. وقال قائد سيارة، وهو ينظر إلى عشرات من السيارات تصطف أمام محطة بنزين في غزة، «هل سنرجع إلى عهد العربات التي تجرها الدوابّ».
وتوقف عدد من المخابز عن العمل في القطاع، فيما شهدت مخابز أخرى إقبالاً شديداً من المواطنين للحصول على الرغيف، في وقت سعى فيه «الميسورون» إلى تخزين الكثير من المعلبات والمواد التموينية.
وقال سمير ابو النصر، صاحب متجر في غزة، لوكالة «فرانس برس»، إن الناس «انكبّوا فجأةً على شراء أي نوع من المواد التموينية والغذائية كالدقيق والزيت والحليب والبقول والمعلبات والأجبان والألبان». وعزا هذا الاندفاع إلى «تخوف الناس من المجهول. لا نريد أن يكون المستقبل قاتماً».
وعبر ابو النصر عن خشيته من نفاد هذه المواد. وقال إن «هناك بعض الأشياء تنتهي بسبب اندفاع الناس على شرائها. ليس عندنا احتياطي كاف ونأمل أن تحلّ الأوضاع قريباً لأن الناس سيموتون من الجوع اذا لم تنفرج».
وكشف أسامة الدليمي، أحد أصحاب مخابز «الشنطي» في حي الرمال، أن «الدقيق الموجود يكفي لمدة أسبوع فقط». ويستهلك هذا المخبز، وهو من أكبر المخابز في قطاع غزة، أكثر من طنين اثنين من الدقيق يومياً.
وأوضح الدليمي أن «الناس متخوفون من استمرار إغلاق المعابر، ما زاد الإقبال على الشراء والتخزين وتكديس الدقيق بشكل كبير وهذا يؤدي الى نفاد الكميات بسرعة».
ويقول أحد الفلسطينيين «نضطر إلى تخزين المواد التموينية لأننا لا نعرف كيف سيكون يوم غد. نريد أن نجد ما نُطعمه لأطفالنا»، مضيفاً إنه استدان أموالاً من أحد أقاربه لـ «شراء موادّ تموينية وغذائية». لكن أمّ علاء تقول «لم نشتر شيئاً من المواد التموينية لأننا لا نملك المال وزوجي موظف في السلطة ولا مال لدينا بسبب الرواتب».
ويقوم عناصر من القوة التنفيذية بعمليات تفتيش على المحالّ والتدقيق في صلاحية البضائع التموينية. وهددت «حماس» باتخاذ اجراءات قاسية ضد التجار الفلسطينيين الذين يحتكرون أو يرفعون أسعار السلع. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد ابو هلال، في مؤتمر صحافي، إن «بعض تجار الحروب يحاولون التلاعب، فجزء منهم يخفي التموين وجزء آخر يزيد الأسعار». واضاف «نحن نحذر، وسيتم القمع بقوة، وسنتعامل مع مثل هؤلاء التجار على أنهم يريدون تجويع شعبنا الفلسطيني وسيتم اعتقالهم ومصادرة كل ما لديهم من مواد تموينية».
لكن عشرات الفلسطينيين من الموالين لحركة «فتح» وأسرهم، فضلوا مغادرة القطاع تماماً إلى الضفة الغربية عبر حاجز بيت حانون «إيرز»، يتملكهم الخوف من المستقبل القريب في ظل الحكم «الحمساوي» للقطاع. غير أن الكثيرين منهم لا يزالون في انتظار الموافقة الاسرائيلية للسماح لهم بالمرور.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إن عدداً محدوداً من مغادري القطاع، بينهم قادة في حركة «فتح»، تمكنوا خلال اليومين الماضيين من الوصول إلى مدينة رام الله، بطرق مختلفة.
وبدا آلاف من أنصار حركة «فتح»، الذين كانت تضج بهم شوارع القطاع، وكأنهم انسلّوا بهدوء من الحياة العامة، إما خوفاً من الانتقام، أو تهرباً من نظرات الحقد والتشفي من جانب «خصومهم» في حركة «حماس»، فتعطّلت الوزارات والمؤسسات الرسمية التي يمثّل الموظفون المحسوبون على «فتح» عصبها الرئيس.