نفت طهران أمس الحديث عن قبولها، ضمن إطار «اتفاق لوزان»، بالسماح لمراقبين بتفتيش مراكزها العسكرية، وجاء هذا الرد في الوقت الذي كان يدافع فيه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه)، جون برينان، بقوة عن الاتفاق الاطار حول الملف النووي الإيراني.
وقالت وكالة «فارس» الإيرانية، أمس، إنّ وزير الدفاع الايراني، العميد حسين دهقان، «فنّد مزاعم كاذبة مطروحة من جانب بعض وسائل الاعلام الاجنبية تقضي بأن تفتيش المراكز العسكرية الإيرانية يعدّ جزءاً من تفاهم لوزان، مؤكداً أن المراكز العسكرية تعدّ من الخطوط الحمر ولن يُسمح بأيّ تفقّد لها».
وأشار العميد دهقان، وفقاً للمصدر ذاته، إلى «تضخيم وإبراز مزاعم وسائل الاعلام الاجنبية الخاوية حول تفاهم لوزان من جانب بعض الصحف المحلية»، مضيفاً أنّ «مثل هذه التصرفات لن تخدم المصالح الوطنية، بل توفر الارضية أيضاً للعدو لطرح مطالب مبالغ بها».
وفي السياق، رأى الوزير الإيراني أنّ «الرصد الواعي والنقد المنصف والتذكير من باب النصيحة الصادقة في ما يتعلق بالمفاوضات النووية، أمر إيجابي»، مضيفاً في الوقت ذاته أن «تدابير سماحة قائد الثورة الاسلامية (علي خامنئي) واستراتيجية الحكومة وعزم الفريق النووي الايراني، تأتي في مسار لن يسمح للطرف الآخر بفرض أي شيء على الشعب الايراني».
ولفت دهقان إلى أنّ «طرح مثل هذه المزاعم الخاوية يجري من جانب وسائل إعلام أجنبية مثل (وفقاً لوكالة فارس) صحيفة الغارديان التي تدّعي أن تفتيش المراكز العسكرية في البلاد يعدّ ضمن تفاهم لوزان». وأكد الوزير الإيراني أنّ «هذا الاتفاق لم يحصل، ومبدئياً يعتبر تفتيش المراكز العسكرية من ضمن خطوطنا الحمر، ولن نقبل بأي تفقّد لهذه المراكز».
ورأى العميد دهقان أنّ «التلاحم والتضامن بين الحكومة والشعب والانسجام ووحدة العمل لدى كل قوى البلاد، في إطار تدابير سماحة قائد الثورة الاسلامية، سرّ النجاح في المفاوضات النووية»، مضيفاً أنّ «الانبهار والتفاؤل المبالغ به وكذلك اليأس والتشاؤم المفرط، تعتبر آفة الوصول الى النتيجة اللازمة والموفرة للأهداف والمصالح الوطنية». وقال إنّ «الفريق النووي الايراني المفاوض، وفي ظل الدعم من سماحة قائد الثورة والرصيد الشعبي الكبير وجميع القوى في البلاد، عازم على الدفاع عن الحقوق النووية والمصالح الوطنية في أعلى مستوى ممكن، بعقلانية واعتماد على الذات».
وتتزامن التصريحات الإيرانية مع متابعة خارجية مكثفة للسياسة الإيرانية الداخلية ــ عبر وسائل الإعلام بشكل رئيس ــ للوقوف على خريطة المواقف من الاتفاق الأخير في لوزان. وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً، قالت في مقدمته: «منذ عام 1979 تاريخ الثورة الإسلامية، كان المتشددون الإيرانيون أحراراً في الإمساك بالشارع ومعارضة أي شكل من أشكال التفاهم مع الغرب، تحديداً الولايات المتحدة». وفيما أشارت الصحيفة في التقرير إلى «منع» وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي وقفة لمجموعة صغيرة رافضة لاتفاق لوزان أمام البرلمان، قالت إنّ «محللين يقولون إنّ الرسالة من الأعلى واضحة (للمحافظين/ المتشددين): ابقوا ضمن التوجه».
في هذا الوقت، دافع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه)، جون برينان، بقوة عن الاتفاق الاطار حول الملف النووي لطهران، واصفاً بعض الانتقادات للاتفاق بأنها «خداع»، ورحّب في الوقت نفسه بـ«التنازلات الايرانية» التي لم تكن متوقعة برأيه.
وفي أول تصريحات علنية له منذ الاعلان عن الاتفاق الاطار الاسبوع الماضي، قال مدير وكالة الاستخبارات إنّ الاتفاق من شأنه أن يفرض لائحة طويلة من القيود على النشاطات النووية الايرانية التي كان التوصل إليها في السابق يبدو مستحيلاً.
وقال أمام حضور في «جامعة هارفرد»: «أقول لكم إن الاشخاص الذين يقولون إن هذا الاتفاق يمهد الطريق أمام إيران لـ(حيازة) قنبلة مخادعون برأيي إذا كانوا يعرفون الحقائق ويدركون ما هو المطلوب لبرنامج» نووي.
وقال برينان إنّ الاتفاق يعني «قطع الطريق ليس فقط أمام تخصيب اليورانيوم، بل أيضاً أمام تخصيب البلوتونيوم»، ويتضمن «نظام تفتيش صارماً جداً». وأضاف «وأنا أرحّب فعلاً بموافقة الايرانيين على كل ذلك».
وتابع «بالنسبة إلى نظام التفتيش، فإن الخفض المتعلق بأجهزة الطرد المركزي والمخزون، وكل ما يفعلونه في مفاعل آراك، كل هذا مفاجئ على ما أعتقد، وجيد».
وتطرق المسؤول الأميركي إلى «تنازلات» إيران، بما في ذلك الموافقة على خفض كبير لأجهزة الطرد المركزي. وقال «لم يكن أحد يعتقد في البداية أنهم قد يقومون بذلك».
وقال إن بعض المنتقدين كانوا أقل تركيزاً على البرنامج النووي الايراني منه على تأثير رفع العقوبات، إذ أعربوا عن قلق من أن يسمح ذلك لطهران «بالتسبب بمشكلات أكبر في المنطقة». وقال إن ذلك القلق مشروع، إلا أن الاتفاق الاطار بحد ذاته يمثل وسيلة لسد الطريق أمام أي محاولة من قبل إيران لتصنيع أسلحة نووية، وهو اتفاق «متين».
وأضاف أن الولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات الحليفة ستراقب كيفية تطبيق إيران لأي اتفاق، وليس هناك أي احتمال بأن تغير طهران موقفها في المنطقة.
وبحسب برينان، لم يتضح ما إذا كانت «البراغماتية» التي أبداها الرئيس حسن روحاني بشأن المفاوضات النووية «ستظهر في نواح أخرى للسياسة الخارجية الايرانية». وقال «سنرى. لكن لا أعتقد أن هذا سيقود الى كبسة زر ليصبح جميع الايرانيين فجأة منصاعين في المنطقة، كلا».
وقال برينان، وهو ضابط الاستخبارات الذي عمل مستشاراً للرئيس باراك أوباما لشؤون مكافحة الارهاب قبل تعيينه على رأس وكالة الاستخبارات المركزية، إن موقف إيران حول الملف تغيّر منذ تولي أوباما الرئاسة قبل ست سنوات، لأن العقوبات أضرّت باقتصادها بشكل كبير. والرئاسة الجديدة تحت قيادة روحاني الشخصية «الأكثر منطقية»، شكلت أيضاً فرصة. وقال برينان إن المرشد الاعلى، السيد علي خامنئي، الذي «أدرك التهديد» الذي تمثله العقوبات، أعطى الضوء الاخضر لروحاني لمحاولة التوصل الى اتفاق.
وبحسب برينان، إذا ما فشلت المفاوضات يمكن لخامنئي إلقاء اللوم في ذلك على روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
ولمّح مدير الـ«سي آي إيه»، بشكل غير مباشر، الى دور لعبته عملية تخريب رقمية لأنشطة تخصيب اليورانيوم الايرانية. ورداً على سؤال لمراسل «نيويورك تايمز»، ديفيد سانغر، حول ما إذا كان الهجوم الإلكتروني عاملاً في ذلك، قال برينان «أعتقد أن عجزهم عن إحراز تقدم ساعد بالتأكيد في إبطاء البرنامج».
وكان سانغر قد كتب في 2012 عن «ستاكسنت»، العملية الاميركية الاسرائيلية لتقويض برنامج إيران النووي بفيروس كمبيوتر مدمر. وفي إشارة الى مقالات سانغر، قال برينان مازحاً «بصراحة لا أقول إن مقالاتك ساعدت في ذلك».
(الأخبار، أ ف ب)