strong>حرب سياسية «من العيار الثقيل» وزّع قذائفها رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في اليومين الأخيرين في كلّ الاتجاهات، بينها فرنسا، ونواب أميركيون بارزون «تجرّأوا» على الدعوة إلى إطاحته من منصبه أخيراً. ومع إعلان المالكي أنّ «الحزب الإسلامي» وافق على الدخول طرفاً خامساً في «التحالف الرباعي»، عقب إعلان رئيس الحزب طارق الهاشمي أنه وضع استقالته من نيابة رئاسة الدولة في تصرّف «جبهة التوافق العراقية»، تكون الأزمة الداخلية قد دخلت في تناقضات غامضة
انضمّ وزير الخارجية الفرنسي العائد من بغداد، برنار كوشنير، إلى الشخصيات الأميركية المتشائمة من إمكان نجاح نوري المالكي في تحقيق المصالحة في العراق، فدعا، في حديث إلى مجلة «نيوزويك» الأميركية، إلى «استبداله»، ما استوجب ردّاً جاء بمستوى الدعوة نفسها، تضمن انتقاداً كبيراً من رئيس الوزراء العراقي للإدارة الفرنسية التي اتّهمها بالتحيّز لأنصار الرئيس السابق صدّام حسين.
وقال كوشنير «يعتقد كثيرون أنه يجب تغيير رئيس الوزراء، لكنني لا أعرف إن كان ذلك سيحصل لأنه يبدو أن الرئيس (الأميركي جورج) بوش متمسّك بالسيد المالكي، إلا أنّ الأكيد أنّ الحكومة العراقية فاشلة ولا تعمل بشكل جيّد».
وكشف الوزير الفرنسي عن أنّه تحسّس «شعوراً قوياً» في العراق يؤيّد رحيل المالكي، وأنّه اتصل بنظيرته الأميركية كوندوليزا رايس في 24 من الشهر الجاري، وأبلغها أنه «لا بد من استبداله».
وفي معرض حديثه، رشّح كوشنير نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة، مبدياً إعجابه به، ومؤكّداً أنّ ذلك «لا يعود فقط لكون الأخير حصّل دروسه في فرنسا، بل لأنه قوي، ومؤهّل لتولّي المنصب».
واتهم كوشنير الأميركيين بأنّهم لا يفهمون الواقع العراقي، «لأنهم، إلى جانب حلفائهم العراقيين، لا يهتمّون كثيراً لعدد القتلى الذين يسقطون يوميّاً في البلاد، وهم ارتكبوا خلال السنوات الأربع الماضية كل الأخطاء الممكنة».
وحاولت وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، التقليل من أهمية تصريحات كوشنير عندما قال المتحدّث باسمها هوغ موريه، لوكالة «فرانس برس»، إنّ هذا الكلام «كان يتعلق فقط بنقاشات جارية في العراق، سمعها الوزير خلال زيارته الأخيرة».
وفور نشر المقابلة الصحافية، احتجّ المالكي بشدّة، في مؤتمر صحافي، على التصريحات الفرنسية وطالب الحكومة الفرنسية «وليس الوزير»، باعتذار رسمي على التدخّل السافر بالشؤون العراقية.
وقال المالكي «بالأمس استقبلنا وزير الخارجية الفرنسي وكنّا فرحين به ومتفائلين بالموقف الفرنسي الجديد، وإذ به يدلي بتصريحات لا يمكن أن تصنَّف من مواقع اللياقة الدبلوماسية عندما دعا لإسقاط الحكومة واستبدالها بأخرى». وأضاف، موجّهاً كلامه إلى المسؤولين الفرنسيين، «بالأمس دعمتم نظام (الرئيس السابق) صدّام حسين، واليوم تقدّمون دعمكم لأنصار النظام السابق».
أمّا ردود المالكي على تصريحات المرشّحة الديموقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون والسيناتور كارل لفين، فلم تقلّ قساوة عن تلك التي تناولت فرنسا. فرغم تأكيد بوش مرّتين في الأيام الأربعة الأخيرة دعمه له، قال المالكي إن كلينتون وليفين «يتحدّثان وكأن العراق قرية من قرى الولايات المتحدة». ووصلت انتقاداته لهما إلى حدّ السخرية، فقال إنّهما «من الديموقراطيين، إذاً ينبغي عليهما أن يحترما الديموقراطية ونتائجها». وأضاف «ينبغي أن يعودا إلى رشدهما وأن يتحدّثا عن العراق بلياقة الدولة المحترمة»، واصفاً هذه التصريحات بأنها «تدخّل سافر وغير مقبول أبداً في شؤوننا الداخلية، وخصوصاً لأنها صادرة عن أناس ودول تتبنّى الديموقراطية». وأضاف: إن تصريحات كهذه تشجع الجماعات «الإرهابية» في العراق لأنها «طريقة ذات طابع تآمري وهي عملية إجهاض للعملية السياسية القائمة في البلد».
ولم تغب ردوده على الانتقادات الداخلية الموجّهة ضدّه، فقال إنّ «التصريحات من بعض الصحافيين والسياسيين وصلت إلى حد التجاوز والتشهير»، متوعّداً «هؤلاء المتآمرين بمحاسبتهم بحسب الأطر القانونية والدستورية».
أما في ما يتعلق بالأزمة العراقية الداخلية، فقد ظهرت تناقضات «غريبة»؛ فغداة إعلان نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي وضع استقالته بتصرّف «جبهة التوافق» التي يقود أحد أحزابها، بشّر المالكي أمس بأنّ الحزب الإسلامي العراقي الذي يرأسه الهاشمي سينضمّ إلى «التحالف الرباعي». وقال المالكي إن «بياناً مشتركاً سيتم الإعلان عنه اليوم (أمس) يضم ليس فقط القوى الأربع، وإنما يضاف إليهم الحزب الإسلامي، وسيكون حينها عدد القوى المكوّنة للائتلاف الحكومي الجديد خمساً لا أربعاً».
ولم يتأخّر نفي «الإسلامي» لصحّة الخبر، إذ قال القيادي فيه عمر عبد الستار إنه «مندهش من تصريحات رئيس الوزراء لأننا أبلغناه قرارنا بعدم الانضمام إلى الاتفاق الرباعي».
وفي السياق، قال مستشار الهاشمي ، عمر الجبوري، أمس إن قوات الاحتلال وقّعت اتفاقاً مع «جبهة التوافق» في شأن إطلاق سراح 6 آلاف معتقل عراقي من السجون خلال الأيام المقبلة، علماً بأنّ هذا البند كان من أبرز شروط الجبهة للعودة إلى الحكومة التي قاطعوها منذ نحو شهر.
ميدانيّاً، أعلنت قوات الاحتلال البريطاني، أمس، أنها سحبت قواتها من مقر قيادةٍ مشترك مع الشرطة العراقية في البصرة في إطار خطط سحب قواتها من ثاني أكبر مدن العراق. ومن المتوقع أن تسحب كامل قوّاتها من جميع القواعد خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، وذلك رغم المطالبات الأميركية بالبقاء في الجنوب العراقي.
وقصفت مروحيات أميركية «عن طريق الخطأ» أمس مركزاً للشرطة العراقية في مدينة خانقين (شمال شرق بغداد)، وقتلت 4 وأصابت 8 من أفراد الشرطة.
ونجح الحظر العام للتجوال الذي فرضته القوات العراقية أمس، في تأمين الزيارة الدينية لشيعة العراق إلى مدينة كربلاء، فاقتصرت ضحايا أعمال العنف على امرأة قُتلت في إطلاق نار، ما أثار مخاوف من اندلاع أعمال طائفية انتقامية.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
يو بي آي، د ب أ، رويترز)