برلين ــ غسان أبو حمد
دقّت ألمانيا ناقوس الخطر الدولي وبدأت حربها ضدّ الاحتباس الحراري، من خلال تحضير أكبر وأشمل استراتيجية لمواجهته، وخصوصاً أنّ طلائعه وتحولاته غير المسبوقة بدأت تهدّد الكائنات الحيّة على كوكب الأرض. صيف القارّة الأوروبية يتحوّل إلى شتاء، والأمر نفسه في بقيّة القارات، بالإضافة إلى تباشير انقراض بعض الحيوانات وقسم من النباتات، وربما أمراض غير مسبوقة بدأت معالمها وسمومها الخطيرة منذ اليوم تظهر داخل جسم الإنسان


في الأسبوع الماضي، توجّهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برفقة وزير البيئة زيغمار غابريال إلى منطقة «غرينلاند» في القطب الشمالي، وهي المنطقة المصنّفة بأنّها تمثّل «الخطوط الأمامية» على جبهة الحرب ضدّ تحوّلات المناخ والبيئة. وجاء في إعلان مكتب المستشارية الألمانية ما يفيد بأن الحرب ضدّ الاحتباس الحراري بدأت، عبر الجولة التفقّديّة الأولى. إذ «شاءت المستشارة الاطّلاع عن كثب ومباشرة على تغيّرات المناخ وعلى خطر التبدّل الحراري على كوكب الأرض وانعكاساته على الحياة».
ويشير مكتب المستشارية إلى أنّ القطب الشمالي وتحديداً مدينة «إيلوليسات» لم تعد منطقة سياحية جذّابة للتمتّع بانفجار الصخور الجليدية والتقاط صورها متساقطة تذوب في البحيرات، بل تحوّلت في نظر علماء البيئة والمناخ إلى «المنطقة صفر» التي تتهدّد الحياة الإنسانية بأكملها على كوكب الأرض في حال عدم اتّخاذ إجراءات سريعة لتطويقها.
ويؤكّد تقرير اللجنة الدولية للبيئة (أيه بي سي سي) أنّ الفترة الزمنية الباقية لمواجهة تحدّيات البيئة والمناخ ومنع ذوبان الثلوج في القطب الشمالي، لا تتجاوز 15 عاماً، فيما تلفت الدائرة الأميركية للمناخ الدولي التابعة لـ«الوكالة الوطنيّة للفضاء والطيران» (ناسا)، إلى أنّ «غرينلاند» تخسر سنوياً 220 كيلومتراً مربعاً من الثلوج، أي ما يعادل ضعف الكمية التي كانت تخسرها في عام 1996.
كما تكشف تقارير منظّمة «يونسكو» في الأمم المتحدة أنّ سرعة ذوبان الجليد في القطب الشمالي هي بمعدل 20 متراً في اليوم الواحد. ويقول كثير من العلماء إنّ «الذوبان» في «غرينلاند» والقطب الجنوبي سيرفع في العقود المقبلة منسوب مياه البحر، ما سيهدّد المدن الكبرى بالغرق، من طوكيو إلى نيويورك وصولاً إلى الجزر المرجانية المنخفضة في المحيط الهادي. وبنظر وسائل الإعلام الألمانية، فإنّ «انعكاسات حرب المناخ على الإنسان ليست موضوعاً علمياً نظرياً بحتاً، بل باتت تطال القرّاء، حيث باتوا يشعرونها في أجسامهم».
وكان عام 2005 قد سجّل أعلى درجة حرارة منذ بدء عمليات الرصد الجوي. وكانت للسياسات العالمية للدول الصناعية أثر في تفاقم هذا الوضع. فعلى سبيل المثال، عملت إدارة الرئيس الأميركي بوش على عرقلة تطبيق القرارات المتعلّقة بخفض الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، في ظلّ انبعاث ربع كميّتها من الولايات المتحدة وحدها.
وزيارة ميركل، بحسب مكتبها، هي الخطوة الأولى في استراتيجية المواجهة التي رسمتها ألمانيا، ويتضمّن الأسبوع الجاري جولة خارجية جديدة تقوم بها، بصفتها رئيسة لمجموعة «الدول الثماني»، إلى كلّ من الصين واليابان، تحضيراً لرسم استراتيجية المواجهة الشاملة ضد تحوّلات المناخ.
وتقضي «استراتيجية المواجهة» الألمانية بتخصيص الجلسة البرلمانية الأولى في الـ«بودنستاغ» الأسبوع المقبل لدراسة وسائل محاربة الاحتباس، وتليها خطوة ثانية في نهاية الشهر المقبل، تتجلّى بإلقاء كلمة ألمانيا أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، وتأتي خطوة المواجهة الثالثة والأخيرة في كانون الأوّل المقبل، حيث تُعقد قمّة المناخ العالمية في مدينة «بالي» في إندونيسيا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ زيارة ميركل إلى المدار القطبي للاطلاع على آثار التغيرات المناخية، تعتبر واحدة من سلسلة زيارات رسمية يقوم بها قادة العالم إلى هذه المنطقة الحساسة. فقد سبقها كلّ من رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، ورئيسة مجلس النوّاب الأميركي نانسي بيلوسي، ومرشح الرئاسة الأميركية جون مكاين، وكذلك رئيس المفوّضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو.
وعادت منطقة القطب الشمالي إلى بؤرة الاهتمام العالمي أخيراً بعد أن كانت مهملة لزمن طويل. ويأتي هذا الاهتمام ليس فقط لأن نتائج التغيرات المناخية تبدو هناك أكثر وضوحاً وخطورة، ما قد ينعكس على مجمل الكرة الأرضية كما يقول العلماء، ولكن نظراً للموارد الطبيعية التي تمتلكها. فوفقاً لآخر الدراسات، يوجد في هذه المنطقة ربع الاحتياطي العالمي من النفط والغاز.
وتتنازع كلّ من روسيا وكندا و«غرينلاند» على أحقيّة السيادة على القطب الشمالي؛ ففي بداية الشهر الجاري، غرس علماء الروس علم بلادهم على عمق أكثر من 4 آلاف متر في قاع المحيط المتجمّد الشمالي لإثبات «حقّ» موسكو في المنطقة. وأثارت هذه الخطوة غضب الحكومة الدانمركية التي وصفت التصرّف الروسي بأنّه «استفزازي»، مؤكّدة عرض الموضوع أمام الأمم المتحدة. وأرسلت بعثة تتكون من 45 عالماً لتسجيل القياسات الأرضية لإثبات ارتباط أراضي القطب بـ «غرينلاند»، وهي إقليم دانماركي يتمتّع بحكم ذاتي.
وككلّ خطوة حكومية، تحوّلت الزيارة «العلميّة» التي قامت بها ميركل إلى مناسبة «سياسية» للصراع بين اليمين واليسار في برلين. وفي هذا السياق، دافعت أحزاب الموالاة عن خطوة المستشارة ونفي الطابع السياحي عنها، مؤكدة بأنّ هدف الجولة لم يكن «التقاط الصور التذكارية».
ومع ذلك، تصرّ أحزاب المعارضة على مهاجمة الرحلة ووصفها بأنّها «سياحية»، إذ أشار رئيس حزب «الخضر» المعارض راينهارد بوتيكوفر إلى أنّ ميركل ووزير البيئة جابريل لن يجدا في ثلوج «غرينلاند» الذائبة ما يحتاجانه من معدّات لمواجهة الاحتباس الحراري، بينما يؤكّد رئيس «الحزب الديموقراطي الحر» المعارض غيدو فيسترفيله أنّ «محاربة الاحتباس الحراري ليست موضوعاً للذكرى والرمزية».