تشهد تركيا اليوم الجولة البرلمانيّة الأولى لانتخاب الرئيس الـ 11 للجمهوريّة. وهي خطوة من عملية سياسية يُفترض أن تؤدّي إلى انتخاب وزير الخارجية عبد الله غول. فكيف ذلك؟ وهل انتفى اعتراض الجيش «حامي العلمانية» على وصول غول إلى قصر كنكايا؟لا يُرجّح انتخاب غول، «الديموقراطي المحافظ»، من الدورة الأولى أو الدورة الثانية من عملية الاقتراع؛ إذ إنّ حزب «العدالة والتنمية» ذو الجذور الإسلاميّة، الذي ينتمي إليه، لا يملك غالبيّة الأصوات المطلوبة لانتخاب الرئيس من الدورتين الأوليين وهي 367 صوتاً، أي ما يمثّل ثلثي عدد النوّاب البالغ550 برلمانيّاً. وإنّما سيكون في الإمكان انتخابه في الدورة الثالثة المحدّدة في 28 آب الجاري من دون صعوبة، لكون الأكثريّة المطلوبة للانتخاب في الدورة الثالثة هي الغالبية المطلقة، أي 276 صوتاً، أو النصف زائداً واحداً.
«حزب الشعب الجمهوري»، القوّة المعارضة العلمانيّة الأبرز في البرلمان (112 مقعداً)، أعرب عن عزمه مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس كما فعل في نيسان الماضي حين رُشّح غول للمرّة الأولى عقب انتهاء ولاية الرئيس العلماني أحمد نجدت سيزر، في خطوة أطلقت أزمة في البلاد تحوّلت إلى تظاهرات مليونيّة علمانيّة الطابع.
إلّا أنّ حزب «الحركة القوميّة»، الذي نجح 71 من أعضائه في الوصول إلى البرلمان في انتخابات الشهر الماضي، أوضح في وقت سابق أعقب الانتخابات أنّه سيحضر جلسات انتخاب الرئيس، ما يمكّن «العدالة والتنمية» من تخطّي نسبة الثلثين المطلوبة كي تصبح الجلسة صالحة دستوريّاً، من دون أن يحدّد ما إذا كان سيصوّت نوّابه لغول.
أمّا «المستقلّون»، الذين حصدوا 26 مقعداً نيابياً، فهم السياسيّون الأكراد المنتمون تاريخيّاً إلى «حزب العمّال الكردستاني»، ولم يعربوا عن موقفهم بشأن الرئاسة. بيد أنّهم إذا انتخبوا لمصلحة غول، فسيحصد، إلى جانب أصوات نوّاب حزبه، 367 صوتاً، أي ما يمكّنه من اقتناص الرئاسة من الجولة الأولى.
وعلى أيّة حال، يبدو أنّ العائق الأبرز الذي منع غول من الوصول إلى الرئاسة منذ 5 أشهر قد انتهى؛ فبعدما شكّل موقفه «الصلب» ضدّ تسلم «الإسلامي» غول رئاسة البلاد، لمّح الجيش، على لسان قائده يسار بويكانيت الأسبوع الماضي، إلى أنّه «لا يريد مشاكل مع أحد»، ما فُسر بأنه قبول ضمني برئاسة غول، وبالـ 50 في المئة من التأييد لشعبي الذي حصده «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعيّة.
واكتفى بويوكانيت، الذي حدّد شروط قبول الجيش بغول إيفاء الأخير بوعده «المحافظة على الطابع العلماني للبلاد» وعلى دستور مصطفى كمال أتاتورك، بالإشارة إلى أنّ التمظهر الوحيد لاعتراض الجنرالات سيكون «تجنّبنا الاحتفالات في قصر الرئاسة لأنّ لدينا مبادئ (علمانيّة) علينا احترامها»، وذلك في إشارة إلى أنّ زوجة غول خير النساء، محجّبة، في الوقت الذي يحظر فيه الدستور أيّ تعبير ديني في مؤسّسات الدولة. وبعد إعلان زعيم «العدالة والتنمية»، رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، عقب الفوز في انتخابات الشهر الماضي، عن نياته الحفاظ على «المبادئ العلمانيّة»، أعرب غول بعدما أعيد ترشيحه إلى الرئاسة في حزبه الأسبوع الماضي عن رغبته المماثلة، وعن نياته التركيز على السياسة الخارجية، ولا سيّما ما يتعلق بانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، على عكس سيزر الذي لم يكن ناشطاً جداً في هذا المجال.
وقد يكون غول الرئيس التركي الأخير المُنتخب في البرلمان، بعدما صوّت مجلس النوّاب السابق على إصلاح دستوري تقدّم به الحزب الحاكم يقضي بانتخاب الرئيس بالاستفتاء العام المباشر لولاية من 5 سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة. وستتمّ إحالة هذا المشروع على الاستفتاء العام في 21 تشرين الأوّل المقبل.
ويُعدّ منصب رئيس البلاد رمزياً إلى حدّ بعيد. إلّا أنّ صلاحيّاته تشمل تعيين موظّفين كبار في مؤسّسات رئيسيّة مثل قضاة المحكمة الدستورية. كما إن له رأياً في القوانين المعتمدة في البرلمان.
(أ ب، رويترز)