حسام كنفاني
للحديث عن الحوار الفلسطيني الداخلي مواسم تحضر فجأة لتغيب بالطريقة نفسها، بانتظار معطيات جديدة تؤهل الطرفين، «حماس» و«فتح»، لتخطي خلافاتهما للعودة إلى جادة الوحدة الوطنية المفقودة منذ حزيران الماضي.
الأسبوع الماضي كان أحد «مواسم» الحوار الداخلي، فسرّب أكثر من مصدر معلومات عن ضغوط عربية وزيارات سرية وتحضيرات لإعادة وضع الطرفين على طاولة المفاوضات بعد عيد الأضحى الأسبوع المقبل. ورغم أن العيد لم يهل بعد، إلا أن «الحوار» بدأ يبتعد عن التحوّل من التنظير إلى التطبيق.
المؤشرات الأولى تُظهر أن العقدة تكمن في الخطوة الأولى، التي يراها كلٌ من الطرفين من منظوره الخاص؛ فحركة «فتح»، وإضافة إلى المطالبة بالاعتذار الواضح من «حماس» عن عملية الحسم العسكري في قطاع غزة، تطالب بتسليم مقر الرئاسة الفلسطينية والمقار الأمنية للسلطة الوطنية الفلسطينية، الممثلة بالرئيس محمود عباس ورئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض.
أمام هذا المطلب الأخير، يبدو «الاعتذار» ثانوياً بالنسبة إلى «حماس»، التي تؤكّد أن «اضطرارها» للقيام بعملية الحسم في قطاع غزة جاء اعتراضاً على ممارسات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تطالب الحركة بعملية إصلاح شاملة لها و«بنائها على أساس وطني». وبالتالي، فإن تلبيتها مطلب الرئاسة الفلسطينية الأخير يبدو مستحيلاً، ولا سيما أنه قد يؤدّي، بالنسبة إلى «حماس»، إلى إعادة الوضع إلى المربع الأول، وربما إلى أسوأ من ذلك، وخصوصاً أن تراكمات من الأحقاد والثارات تجمعت لدى أنصار الحركتين خلال المعارك وحملات الاعتقالات بين الطرفين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويمكن وضع العقبات أمام الحوار الداخلي في إطار «المكابرة» من جانب الطرفين، ولا سيما أن كلاً منهما بحاجة إلى الآخر في هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، سواء ميدانياً أو سياسياً.
فالرئيس الفلسطيني يدرك أنه لا يستطيع استكمال عملية المفاوضات مع الإسرائيليين في ظل حال الفصل الجغرافي والسياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، مع ما يمثّل ذلك من ضعف سياسي يمنعه من إتمام المضي في التفاوض مع الإسرائيليين حتى النهاية بناء على «تفاهمات أنابوليس». ويدرك أبو مازن أنه بحاجة إلى سند شعبي متماسك لحمايته من أي فشل جديد للمفاوضات مع إسرائيل، وهو ما قد توفّر «حماس» جزءاً منه.
في المقابل، فإن «حماس» لا بد من أنها تضع في اعتباراتها أنه لا يمكن الاستمرار في الوضع القائم في قطاع غزة، في ظل الحصار الدولي وبدء حال التململ وانخفاض الشعبية التي تعانيه، إضافة إلى شبه المقاطعة التي تواجهها في علاقاتها مع الامتداد العربي. وهي أيضاً بحاجة إلى شرعية رسمية فلسطينية وعربية أولاً لتأمين استمراريتها في ظل التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة باجتياح القطاع.
ولذلك، لا بد للحاجة المتبادلة من أن تفرض البدء بخطوة حوارية حقيقية بدل الاستمرار في المكابرة وانتظار الآخر للقيام بالخطوة الأولى.