واشنطن ــ محمد سعيد
صحافي عقده قبل عشرة أيام فقط، مؤذناً بدخول عامه الأخير في البيت الأبيض، وهو مثقل بتركة سياسية واقتصادية و«فضائحية أخلاقية» سوف يرثها خلفه، سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً


تلقى بوش ضربات قاسية في عام 2007 في قضايا دولية ومحلية جعلته يسير بخطى عرجاء حتى نهاية ولايته. فقد تفاقمت مشاكل بوش قبل أشهر من تركه منصبه مع انهيار خطته لإصلاح قانون الهجرة ومعارضة الديموقراطيين لاستراتيجيته في العراق وتعمق تحقيقات الكونغرس داخل إدارته وتساقط أركان الإدارة، سواء من السياسيين أو العسكريين.
وتصاعدت وتيرة الأنباء السيئة لتزيد من قتامة خريطة السياسة الخارجية، عبر استمرار أعمال العنف بلا هوادة في العراق وسيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة، واستمرار التحدي النووي الإيراني، وتفجر الأوضاع في باكستان، وتوتر العلاقات بين واشنطن وموسكو، فيما تراجعت شعبية بوش لتصل إلى 26 بالمئة، وهي أقل نسبة لأي رئيس منذ عقود.
وكان عام 2007 أميركياً بامتياز كالعام الذي سبقه. وكان العنوان الأبرز لذلك هو مواصلة الحرب على العراق التي تستنزف الولايات المتحدة وتدمر العراق واستخدام تكتيك مزدوج في التعامل مع إيران بسبب ملفها النووي وتنامي نفوذها في العراق وتأثيرها في المنطقة يتراوح بين الاحتواء والعدوان المسلح. وقد دأب الرئيس بوش وكبار مساعديه في كل بياناتهم في مؤتمراتهم الصحفية توجيه الاتهامات والتهديدات إلى سوريا كلما تحدثوا عن إيران وحشرهم العراق في متن بياناتهم.
وانقضى عام 2007 فيما لا تزال الولايات المتحدة تمارس سياسة توصف بأنها «إمبراطورية» تسعى إلى إحراز انتصارات عسكرية في حربها الطويلة وعديمة الجدوى على العراق وأفغانستان وازدياد نفقاتها العسكرية، وفي دعمها اللامشروط واللامحدود لإسرائيل في عدوانها على العرب واحتلالها لفلسطين، وتهديدها بالعدوان على إيران. وقد شهد عام 2007 نمو عدد القوات الأميركية وازدياد نفقاتها العسكرية في المنطقة ـــــ ثمة 800 مليون دولار أخرى ستضاف إلى المليارات الثلاثة التي تنفق على دعم المخططات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان وفلسطين، وخصوصاً ضد إيران. وأيضاً تعزيز وجودها العسكري في أفريقيا بإنشاء قيادة عسكرية أميركية جديدة تشرف على أفريقيا يقول منتقدوها إن الهدف منها ضمان تدفق النفط من القارة السوداء باتجاه الولايات المتحدة، حيث تشير التوقعات إلى أن الولايات المتحدة سوف تستورد مع حلول عام 2020 نحو 15 بالمئة من احتياجاتها النفطية من أفريقيا.
وإضافة إلى المآزق الخارجية في العراق وأفغانستان، وانهيار خطط العقوبات على إيران بعد تقرير الاستخبارات الأخير، بدأ فصل الخريف مبكراً في واشنطن هذا العام، وتساقطت أركان الإدارة الأميركية كما يتساقط أوراق الشجر، وكان معظمهم له صلة مباشرة أو غير مباشرة بحرب العراق.
فقد أعلن آلان هيبارد كبير المستشارين الاقتصاديين في فريق الرئيس، رئيس المجلس القومي الاقتصادي، انسحابه من سفينة الإدارة الأميركية المترنحة والمتخبطة. وما إن أعلن هيبارد استقالته، حتى أعلن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ (ترنت لوت) أنه سيتنحى قريباً.
وكان قد سبق هذين السقوطين بفترة قصيرة جداً استقالة فرانسيس تاونسند مستشارة الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، واستقالة كارين هيوز المسؤولة عن مهمة تحسين صورة أميركا في العالم وتصحيح أخطاء الإدارة الأميركية التي اكتشفت أنها كـُلفت بـ«المهمة المستحيلة».
كما استقال أيضاً (ريتشارد غريفين)، مدير مكتب الأمن الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمسؤول عن الشركات الأمنية الخاصة من أمثال «بلاك ووتر»، التي أضافت فضائح جديدة إلى ركام الفضائح الذي طمر القيادة الأميركية. كما استقال وزير العدل ألبرتو غونزاليس في أعقاب فضيحة طرد المدعين العامين على خلفية انتماءاتهم السياسية، وقد سبقه في ذلك وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبعده كارل روف، الذي يوصف بأنه «عقل بوش». وأشار المراقبون إلى أن مغادرة روف هي إيذان بانتهاء الحقبة البوشية.
وقد كان قرار وزير الدفاع روبرت غيتس بعدم التجديد لرئيس الأركان بيتر بايس، إشارة إلى رغبته في التخلص من التركة الثقيلة لوزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد والاستعانة بقيادات تمثل العسكرية لا المعتقدات الإيديولوجية.
بالإضافة إلى كل أولئك، فإن السقوط امتد إلى أقطاب كبار في عصابة المحافظين الجدد، مثل بول وولفوفيتر، الذي تهاوى به كرسي البنك الدولي سريعاً، والأمر ذاته حصل أيضاً مع ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وجون بولتون، الذي انبرى يكيل الاتهامات لبوش قائلاً إن «سياسته في حالة انهيار، وتعرض الأمن القومي الأميركي للخطر»، مشيراً إلى أن بوش «خاضع لتأثير وزيرة خارجيته رايس».
وقد خاض الديموقراطيون في الكونغرس صراعاً مريراً مع بوش حول التمويل الإضافي للحرب على العراق وجدولة الانسحاب من العراق مع حلول صيف 2008، وهو ما فشلوا فيه، إذ لم يستطيعوا بسبب أكثريتهم الضئيلة نسبياً في الكونغرس فرض موقفهم على بوش وأنصاره الجمهوريين، فصادقوا يومي التاسع عشر والعشرين من كانون الأول الجاري على مشروع قرار يخصص 555 مليار دولار للإنفاق الداخلي، بينها سبعون مليار دولار لتمويل الحرب على العراق وأفغانستان.
وامتد المأزق الصعب الذي تواجهه الإدارة الأميركية في العراق إلى أفغانستان، حيث ازداد الموقف سوءاً وتزايدت سطوة جماعات «طالبان»، بينما ضعفت قدرة القوات الأميركية والأطلسي عن مواجهة الخطر المتزايد لتصاعد نفوذ «طالبان» أو حصاره في غياب استراتيجية واضحة تنظم جهد الجانبين.
وواجهت الولايات المتحدة أزمة جديدة في باكستان الحليف القوى لواشنطن في حربها على الإرهاب وبعد تصاعد الصراع السياسي في باكستان وتفجر الموقف داخلها بإعلان الرئيس الباكستاني برويز مشرف حالة الطوارئ في 3 تشرين الثاني الماضي.
ورغم أن الإدارة الأميركية أعلنت أن قرار فرض الطوارئ يشوه صورة الرئيس الباكستاني، إلا أن الرئيس بوش أكد ثقته بنظيره وفي عزمه على وضع بلاده مجدداً على طريق الديموقراطية. كما أكد أنه حليف قوي فى مواجهة الإرهاب لا غنى عنه للولايات المتحدة.
وحاول الرئيس الأميركي استخدام القضية الفلسطينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الولايات المتحدة واستعادة صدقيتها أمام العالم، عبر الدعوة لعقد مؤتمر في أنابوليس يضم طرفي الصراع وأطرافاً إقليمية ودولية.
وقد حاولت الإدارة الأميركية الترويج لإمكان وجود ضوء في النفق المظلم بتنظيم مؤتمر أنابوليس في 27 تشرين الثاني 2007 لإطلاق مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وجمع دول عربية على طاولة واحدة مع إسرائيل في سياق سعي الولايات المتحدة إلى ضمان أمن إسرائيل بتحقيق «اتفاقيات صلح عربية إسرائيلية جديدة».
وشهد عام 2007 تحسن العلاقات الأميركية الأوروبية، ما عدّه محللون تجاوزاً للتأثير الذي خلفته الحرب الأميركية على العراق. وفي عام 2007 أدخلت الولايات المتحدة تعديلاً على استراتيجيتها العالمية، وقد برز اتجاه قوي في الإدارة باستعادة العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين لكونها من تقاليد السياسة الخارجية الأميركية وأساسياتها، ووضع بوش احتواء «القارة العجوز» على رأس أجندته.
ودفع الواقع السياسي المتغير في العالم القادة الجدد في أوروبا نحو إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلى سابق عهدها، وظهر اقتناع لديهم بأن انتقال الإرهاب الذي يقوده تنظيم «القاعدة» إلى أوروبا يحتاج إلى تعاون بينهم وبين الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ومواجهة القوى الآسيوية المنافسة وروسيا التي تعمل على استعادة مكانتها العالمية. وتطابقت المواقف الأميركية والأوروبية في كثير من القضايا في الشرق الأوسط والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا والملف النووي الإيراني وغيرها.
لكن العلاقات الروسية ـــــ الأميركية والغربية اتجهت نحو التوتر بسبب إصرار الولايات المتحدة على نشر نظامها للدفاع الصاروخي في بولندا وتشيكيا، ما أدى إلى هبوط العلاقات بينهما إلى حدها الادنى، علماً بأن التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة تتميز بأمدها الطويل وصفتها الاستراتيجية وصعوبة التنسيق، ما سيرشح استمرار حالة «السلام البارد» بين الطرفين.
وإذا كان التوتر قد ساد العلاقات الأميركية ـــــ الروسية، فإن العلاقات الصينية الأميركية حافظت على حالتها الثابتة بفضل ما يسميه الصينيون الدور الفعال لقناة التفاهم للحوار الاستراتيجي الصينى الأميركي والحوار الاقتصادي الاستراتيجي، لكنها ستواجه تأثيراً تحدثه عوامل غير ثابتة وناجمة عن «الاستفتاء العام لانضمام تايوان إلى الأمم المتحدة» الذى يروجه رئيس تايوان تشن شيوى بيان، والانتخابات الأميركية.
وفي ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه أميركا اللاتينية التي توصف بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة، فإن عام 2007 كشف عن تناقضات هامة وكبيرة وعميقة، تؤدي دور الموجه للسياسة، وتستفز نمو النزاعات. تمر خطوط الفصل في الولايات المتحدة عبر المسائل الأساسية المرتبطة بالصراع والمفاوضات في المنطقة العربية وأميركا اللاتينية، وهي تخترق الحزبين الأميركيين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي والطيف الليبرالي المحافظ. ويقف في جهة البيت الأبيض المعتمد على الديموقراطيين والجمهوريين المؤيدين للحرب، وزعماء المنظمات اليهودية الأضخم، ومجموعات المحاربين القدماء اليمينيين، ورجال الفكر من المحافظين الجدد والقسم الأكبر من الشركات الإعلامية. وتقف في الجهة الأخرى أقلية من الحزبين ووسائل الإعلام، والقسم الأكبر من الرأي العام، وقسم من الضباط العسكريين الموجودين في الخدمة والمسرّحين، ومفكرون من الإدارة ومنتقدون بارزون للوبي الصهيوني والسياسة العسكرية، أمثال زبغينيو بريجينسكي وجيمي كارتر وجيمس بيكر وآخرون.
ومثل هذا التقسيم موجود في ما يخص السياسة الأميركية اللاتينية. فالبيت الأبيض، الداعم للوبي المهاجرين الكوبيين، والبنتاغون وأقلية الإيديولوجيين اليمينيين ومجموعات الأعمال يصرون على زيادة الضغوط على كوبا وفنزويلا وبوليفيا والتدخل فيها، وعلى دعم الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون والانفصاليين في سانتا كروز في بوليفيا ضد سياسة الرئيس إيفو موراليس التصالحية، وغيرهم من المتطرفين المستبدين في أميركا اللاتينية. بينما يفضل رجال الكونغرس الليبراليون والمحافظون المعتمدون على المستوردين الزراعيين ووكالات السياحة، وغالبية الرأي العام وقطاع الإدارة الحكومية الذين يترأسهم شينون المسؤول عن العلاقات مع أميركا اللاتينية، الاعتماد على الدبلوماسية والمفاوضات وتناول المسائل تناولاً (ثنائي الجانب).
وقد حاول بوش استعادة وتأمين المصالح الأميركية في أميركا اللاتينية التي أصبحت مهددة مع وصول الكثير من الحكومات اليسارية إلى مقاعد الحكم هناك ونجاحها في تكوين تحالف مضاد ورافض للسياسة الأميركية والرئيس بوش.
وفي هذا الإطار جاءت جولة الرئيس الأميركي في 8 آذار إلى خمس من دول أميركا اللاتينية، حيث حرص على التصدي للنفوذ المتزايد للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز من طريق دعم الدول الموالية للولايات المتحدة.