حسن شقرانيفي مشهد التحقيق الأوّلي معه بعد سنوات مضنية من الملاحقة، يقول تاجر الأسلحة، يوري أورلوف (نيكولاس كايج) لعميل الإنتربول النشيط والمنتشي بالانتصار، جاك فالنتاين (إيثان هوك)، بدم بارد وأعصاب مرتخية: «أكره أن أخيّب أملك... لأنّه بعد قليل سيطرق الباب ضابط أرفع رتبة منك... سيهنّئك على إنجازك، ولكن سيطلب منك أن تخلي سبيلي... لأنّ رئيس بلادك (الولايات المتّحدة) يحتاج إلى أشخاص مثلي».
الفيلم هو «لورد أوف وور» (أمير حرب). لقي استحساناً ضخماً لدى الجمعيّات الحقوقيّة المناهضة لانتشار الأسلحة، وفي مقدمتها «منظّمة العفو الدوليّة». غير أنّه أظهر بجلاء أنّ المعركة ضدّ «مغذّي النزاعات العسكريّة» حول العالم هي أضخم من عميل إنتربول، أو حتّى الإنتربول نفسه. وخلص إلى عبرة أساسيّة: عبثيّة صراع ذات مع نفسها وتقوقعها في بؤرة الأرباح الناتجة من التعامل بأدوات الموت على أنّها سلعة موجودة تنتظر أحداً أن يروّج لها... وأكثر من هاجس الربحيّة، تتحوّل الحالة إلى هوس يُترجم مع قبول يوري بـ«صفقة نهائيّة» (بعد إعلانه «التوبة» ونيّة البقاء قرب عائلته) مع الديكتاتور الليبيري، تشارلز تايلور.
حبكة الفيلم مستوحاة من حياة تاجر الأسلحة الروسي فيكتور باوت، وينتهي ببقاء يوري في مهنته المربحة. غير أنّ الواقع أثبت يوم أوّل من أمس، عكس ذلك.
فقد ألقت الشرطة الملكيّة التايلانديّة القبض على باوت في فندق في بانكوك، واتّهم في نيويورك، وهمياً، بأنّه يحضّر لإتمام صفقة، قيمتها 15 مليون دولار، لتزويد المنظّمة الكولومبيّة اليساريّة، «فارك»، بآلاف البنادق القتاليّة و100 صاروخ «إيغلا» الروسي، إلى جانب وعد بإلقاء الحمولة، عبر مظلّات حربيّة، في الأدغال الكولومبيّة، في مقابل 5 ملايين دولار إضافيّة.
استطاع باوت خلال الفترة الماضية تجنّب إلقاء القبض عليه، بناءً على اتهامات دوليّة، من خلال البقاء في شقّته الفخمة في موسكو، الأمر الذي زكّى الحجج الاستخباريّة الأميركيّة والأوروبيّة بأنّه يلقى مساعدة من أجهزة الاستخبارات الروسيّة، بعدما ترعرع على نمط «عميل كاي جي بي»، لا لأنّه كان عنصراً في هذا الجهاز، بل لأنّه عاش مآسي السنوات الأخيرة من حياة الاتحاد السوفياتي.
باوت، من دون أدنى شكّ، من أذكى التجّار في العالم، وحافزه التنافسي يكمن في «سمعته الرائجة بأنّه يستطيع نقل أيّ كميّة من الأسلحة إلى أيّ منطقة» على وجه الأرض، حسبما علّق الخبير في شؤون تهريب الأسلحة في «مركز الدراسات الاستراتيجّية والدوليّة» جايمس لويس. إلّا أنّ خطأه المميت تمثّل في وقوعه في فخّ عملاء في جهاز مكافحة المخدّرات الأميركيّ، «دي إي آي»، أوهموه بأنّهم عناصر في الـ«فارك» بعد اجتماعات مع مساعده، أندرو سموليان، في جزيرة كوراكاو الكاريبيّة وكوبنهاغن وبوخارست، واستدرجوه إلى بانكوك.
اللافت في عمليّة الاعتقال أنّها تتزامن مع «الأزمة العسكريّة» التي نشأت في أميركا اللاتينيّة بين كولومبيا وفنزويلا والإكوادور على خلفيّة اختراق مقاتلات كولومبيّة للأجواء الإكوادوريّة واغتيال القيادي في الـ«فارك» راوول ريّس، الأسبوع الماضي، وبقاء إدانة بوغوتا على عمل «خرق السيادة» بنداً معلّقاً بدعم أميركي.
ولعلّ الخلاصات المستقاة من الخيال والواقع هي حديث يوري أورلوف عن منافسته اللدودة في تجارة الأسلحة، الولايات المتّحدة، وقول باوت في إحدى المقابلات: «أشفق على نيكولاس كايج. الفيلم سيّئ»... ولكن الواقع أسوأ. لذا يُقال لواشنطن: ارحمي العالم كي لا يؤسف على نيكولاس كايج.