غداة إسقاط المحكمة العليا قرار الحكومة البريطانية وقف التحقيق في صفقة اليمامة بين شركة الأسلحة البريطانية العملاقة «بي إيه إي سيستمز» والرياض واعتباره غير قانوني، يواجه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ضغوطاً متزايدة لإعادة فتح هذا التحقيق، بالتزامن مع ما كشفته صحيفة بريطانية، أمس، عن أن رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر كانت القوة المحرّكة وراء هذه الصفقة.وقالت صحيفة «التايمز» إن تاتشر أمرت جهاز الأمن الداخلي (إم آي 5) بالتنصّت على السفير السعودي السابق لدى واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، الذي تفاوضت معه بشأن صفقة اليمامة، لإتمام الصفقة. وضغطت شخصياً لإقناع الملك السعودي فهد بأن يختار مقاتلات «تورنادو» البريطانية بدلاً من نظيرتها الفرنسية «ميراج»، بعد نجاح إسرائيل في منع الولايات المتحدة من بيع الرياض مقاتلات من طراز «إف 15».
وتعدّ صفقة «اليمامة» في عام 1985، التي بلغت قيمتها 43 مليار جنيه استرليني، أضخم عقد تسلحي تحصل عليه المملكة المتحدة، زوّدت بموجبها الرياض بـ120 مقاتلة من طراز «تورنادو»، ما ساهم في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين المملكتين، لكن مزاعم فساد ودفع رشى تواترت بعد الكشف عن أن شركة «بي إيه إي» أدارت صندوقاً للرشى وضعت فيه 60 مليون جنيه استرليني لتغطية تكاليف الترفيه عن أمراء سعوديين على علاقة بالصفقة.
وفي السياق، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أمس أن زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار المعارض نيك كليغ وجماعتي الضغط اللتين تحدّتا قرار الحكومة وقف التحقيق، يطالبون براون بإعادة فتحه، بعد تقدمهما بالطعن أمام القضاء في شباط.
وقال زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار «يحتاج مكتب جرائم الاحتيالات الخطيرة إلى أن يستأنف الآن التحقيق الأصلي، وأعتقد أننا نحتاج إلى تحقيق مستقل بشأن الضغوط السياسية التي مارستها حكومتنا لوقف التحقيق».
أما العضو في منظمة «الحملة ضد تجارة السلاح» سايمون هيل، فقد أشار إلى «أن وزير الخارجية الراحل روبن كوك كتب في مذكراته، أن رئيس بي إيه إي كان يمتلك مفاتيح الحديقة الخلفية لمكتب رئاسة الحكومة أثناء وجود طوني بلير فيه، وإذا ما أراد خلفه غوردون براون أن يثبت أن الأمور تغيرت، عليه أن يغيّر قفل الحديقة». وأشادت سوزان هاولي من منظمة «كورنر هاوس» بقرار المحكمة. واعتبرته «يوماً عظيماً للقضاء البريطاني».
وأفادت صحيفة «الغارديان» أنه «عندما طلب السعوديون إلغاء التحقيق، لم يوضح لهم أحد أنه لا يمكن تجاوز القضاء، بل رأت الحكومة أن الاستسلام أمر سيئ، لكنه ضروري».
من جهتها، كتبت صحيفة «فايننشال تايمز» أن «الموقف الجبان للحكومة البريطانية التي قبلت بالتهديدات السعودية لمكتب مكافحة الاحتيال، وجّه رسالة إلى الحلفاء الاستراتيجيين، بأنهم يستطيعون الحصول على ما يريدون إذا رفعوا أصواتهم».
أما صحيفة «التايمز»، فقالت «أياً تكن انعكاسات قرار المحكمة العليا على العلاقات السعودية ــ البريطانية، فإن سلامة القضاء البريطاني لأمد طويل أكثر أهمية». إلا أن صحيفة «ديلي تلغراف» أفادت بأن «رئيس الوزراء المنتخب في ديموقراطية برلمانية، يجب أن يكون له الحق في اتخاذ قرارات على هذه الدرجة من الصعوبة في ظروف استثنائية».
وتعليقاً على قرار المحكمة العليا، أشارت رئاسة الحكومة البريطانية إلى «أن مكتب جرائم الاحتيالات الخطيرة يدرس بحرص مضاعفات الحكم والطريق إلى الأمام».
ويبقى أمام مكتب مكافحة الاحتيال، الذي فتح عام 2004 تحقيقاً بشأن صفقة اليمامة، وعاد وتخلى عنه بطلب من بلير في 2006، أسبوعان لاستئناف قرار المحكمة.
(يو بي آي، أ ف ب)