strong>«نجح الإضراب...»، هذا ما صرخت به آلاف الرسائل الإلكترونية والهاتفية، أمس، في مصر بعد التأكد من أن المدن المصرية عاشت يوماً مختلفاً انتهى بإعلان حظر التجوّل في مدينة المحلة الكبرى (شمال القاهرة) بعد مصادمات طويلة، قال شهود إنها أدّت إلى سقوط قتيلين، وسط أنباء عن اعتقال ٢٠٠ إلى ٥٠٠ شخص، وهي أرقام تشير إلى أنه كانت هناك «معركة حقيقية» في المدينةالقاهرة ــ الأخبار
بدأت معركة الأمن المصري مع الإضراب، أمس، بحصار مدينة المحلة منذ ساعات متأخرة من ليل أول من أمس لتمنع إضراباً أعدّ له عمال مصانع الغزل للمطالبة بتنفيذ الوعود التي تمّ بناءً عليها إنهاء إضراب مماثل شارك فيه ٢٧ ألف عامل قبل أشهر.
الحصار الأول أدّى إلى كسر الإضراب بإجبار عدد من العمال على العمل بالقوة، لكن الوضع اشتعل عندما ألقت أجهزة الأمن القبض على القياديين في شركة غزل المحلة: كمال المنوفي وطارق السويسي. وبدأت المرحلة الثانية عندما انتهت نوبة العمل الثانية وخرج بين ٧ إلى ١٥ ألف عامل في تظاهرات ومنعوا القطارات من عبور المحلة، كما شلّوا حركة المواصلات من المدينة وإليها واشتركت معهم مجموعات من الأهالي والأطفال الذين هتفوا «الثورة جت... الثورة جت» وهم يقذفون الأمن بالحجارة. لكن أوامر صدرت إلى القوات الضخمة برفع درجة العنف، فاستخدمت قنابل صاعقة للأجساد إلى جانب العصيّ الكهربائية والهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. ومع تزايد درجة الحصار، هرب المتظاهرون في أنحاء المدينة وبدأت سلسلة من العنف المضاد، وأصيب عدد من جنود الأمن المركزي وتحطمت واجهات محال وشوهدت نيران تتصاعد بالقرب من محطة الوقود. ويقول شهود عيان إن المدينة انقسمت إلى جزءين: الأول هو الشارع الرئيسي أو موقع المعركة، الذي غطاه الدخان، وقد لوحظت آثار المعركة في كل مكان، بينما الجزء الآخر يبدو مهجوراً منذ الساعات الأولى من الصباح. وآخر ما ورد من أخبار يشير إلى حصار المدينة حتى الآن بحواجز أمنية لا تسمح إلا بمرور السيارات الخاصة فقط.
والمحلة هي رمز الإضراب؛ فقد التقطت مجموعات من الشباب على موقع الـ facebook موعد الإضراب من موعد أعلن عنه عمال غزل المحلة. كما رأت أن «معركة» المحلة هي تجسيد حركة احتجاج جديدة، وابتكرت آلياتها بشكل مستمر يعتمد على المشاركة العفوية أكثر من التنظيم المتقن، وهو ما أربك مؤشرات نجاح الإضراب وانقسام الرأي حوله قبل أن تحسم «معركة المحلة» مسألة نجاح الإضراب.
وبدت القاهرة، أمس، ومنذ الساعات الأولى، مدينة «في عطلة». وعلى غير عادتها، خلت الشوارع من الزحام المعتاد وغاب آلاف الطلاب عن مدارسهم وجامعاتهم، ولم تتجاوز نسبة الحضور ٢٠ في المئة. وتركزت التجمعات الأمنية في المنطقة المحيطة بميدان التحرير (قلب العاصمة) حيث أداره طوال نهار أمس اللواء اسماعيل الشاعر «حكمدار العاصمة»، حيث نقل مكتبه إلى قلب الميدان، وهو ما سبّب أداءً متوتراً لجنود الأمن تعرضت خلاله أمّ للضرب أمام طفليها. كما ذكر شهود عيان من منظمي الإضراب أن ٣ طالبات من الجامعة الأميركية اعترضن أمام «الحكمدار» على رداءة الخبز، فتم احتجازهنّ في سيارات الشرطة، التي انتشرت في أماكن متعددة ومنعت تظاهرة في نقابة المحامين.
ورغم نقل أجهزة الإعلام تصريحات لمصدر أمني عن أن سير العمل في المصالح الحكومية طبيعي، إلا أن المشاهدة المباشرة لمراسل «الأخبار» أكدت أن المصالح الحكومية، رغم الضغوط الأمنية لإجبار الموظفين على الحضور، لم تتعدّ نسبة ٥٠ في المئة، كما أن الشعور العام لدى المصريين أن يوم أمس كان «يوماً غير عادي»، وخصوصاً بعد البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية وتحذر فيه من أن «أجهزتها ستتخذ ما يلزم من إجراءات فورية وحازمة إزاء أي محاولة للتظاهر أو تعطيل حركة المرور أو إعاقة العمل بالمرافق العامة أو التحريض على أي من هذه الأفعال، انطلاقاً من أحكام القانون وإنفاذاً له، وحماية للمصلحة العامة وللاستقرار وأمن وسكينة المواطنين». واستخدم البيان تعابير محفوظة من الخطابات القديمة جداً، حين تحدث عن «البعض من محترفي الإثارة والتيارات غير الشرعية روّجوا في الفترة الأخيرة، لمنطلقات ودعاوى وشعارات مضلّلة وعمدوا إلى الدعوة إلى وقفات احتجاجية والتظاهر والتوقف عن العمل يوم الأحد السادس من نيسان وتعطيل الأعمال، ما أوجد انطباعات خاطئة لدى البعض من المواطنين».
وعلى عكس المتوقع، أثار بيان الداخلية قلقاً. وهذه كانت الرسالة التي يسعى إليها منظّمو الإضراب الأول، البعيد إلى حدّ ما عن القوى السياسية، وهذا ما جعل غالبية المعتقلين من بين المدوّنين المنظّمين مثل محمد الشرقاوي ومالك مصطفى، إلى جانب المشتركين العاملين على نقل الإضراب لحظة بلحظة.
«الرسالة وصلت»، وتم التركيز على مواجهة واسعة بين النظام والناس في مصر. وقد أعلن عن إضراب جديد في ٤ أيار، تزامناً مع عيد ميلاد الرئيس حسني مبارك، وهو ما يعني أن الحركة أتت بثمار لم تكن متوقعة. وبينما غابت جماعة «الإخوان المسلمين» تماماً عن الإضراب، أبدى بعض أعضاء التنظيمات اليسارية انزعاجاً ممّا سمّوه «عشوائية» التنظيم ورفع سقف التوقعات لدى الناس، إلى حد انتظار «ثورة» وهو ما سيثير مزيداً من الإحباط.
الا أن الروح الجديدة، بدت مؤثرة بدرجة ملحوظة وصفت بأنها أقرب إلى «مشجّعي منتخب الكرة»، لكنها في كل الأحوال صنعت من ٦ نيسان أغرب يوم في تاريخ العلاقة بين النظام والشعب. هذا من وجهة نظر المتفائلين، أما المتشائمون فيرونه بداية عام الخوف في مصر.