كان الاستيطان عنوان جولة المباحثات التي أجرتها وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس في إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينيّة. ورغم الانتقادات التي وجّهتها إلى التوسّع الاستيطاني، فإن شيئاً لم يتغيّر على الأرض، ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التلويح لها بالاستقالة... مجدّداً
رام الله ــ أحمد شاكر

أكد مسؤولون فلسطينيون، لـ «الأخبار» أمس، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوّح بالاستقالة في وجه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، بعدما أعلنت أن الادارة الأميركية لا تستطيع الضغط على إسرائيل لوقف نشاطها الاستيطاني المتزايد في القدس المحتلة والضفة الغربية.
وقال المسؤولون، الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، إن عباس بدا خلال لقائه مع رايس منزعجاً من اللامبالاة الأميركية تجاه عملية السلام، وإنه أكد لها أن الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات واستمرار الاعتداءات والاستيطان الإسرائيلي.
وتذرّعت رايس، بحسب المسؤولين أنفسهم، بأن السلطة الفلسطينية غير قادرة على فرض السيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية وأنها لا تحارب «الإرهاب» و«حماس» في الضفة بالقدر المطلوب منها، ما يعيق إمكان الضغط على إسرائيل لإزالة الحواجز ووقف الاعتداءات على الفلسطينيين، التي وصفتها بـ «الاعتداءات المبررة» نتيجة نشاط المقاومة.
كلام الغرف المغلقة بين عباس ورايس، لم ينعكس في المؤتمر الصحافي المشترك بينهما، الذي قال أبو مازن خلاله إن «الاستيطان يمثّل أكبر عقبة أمام المفاوضات»، مشدّداً على أن التوصل إلى حل نهائي سيكون نهاية هذا العام، مضيفاً إن السلطة الفلسطينية ملتزمة بتنفيذ خريطة الطريق، آملاً أن تتوصل المفاوضات إلى حل قريباً.
وأكد الرئيس الفلسطيني أن السلطة الوطنية الفلسطينية مستمرة في المفاوضات حتى تصل إلى حل قبل نهاية عام 2008، مشيراً إلى الجهود والمساعي المصرية للتوصل إلى تهدئة في قطاع غزة وعودة القطاع لما كان عليه قبل عام، وإلى التمسك بمبادرة صنعاء لتحقيق الوحدة.
ورأى أن «الكرة الآن في ملعب حماس، بعد المبادرة الجريئة التي طرحت والتي لاقت التأييد من كل الأطراف والشعب الفلسطيني والعالم كله».
بدورها، شدّدت رايس على أن «الوقت قد حان لقيام دولة فلسطينية». وقالت «إن الشعب الفلسطيني عانى الكثير ويستحق دولة فلسطينية»، معتبرةً أن قضية تزايد الاستيطان الإسرائيلي «هي قضية تقلق كل الدول المجاورة والأوروبية لا الفلسطينيين فقط». وأشارت إلى أنها ستلتقي رئيسي الوفدين المفاوضين (تسيبي ليفني وأحمد قريع) وذلك للاطّلاع على نتائج المفاوضات النهائية، لتقديم أي دعم ممكن من الجانب الأميركي، واصفة قضايا الشرق الأوسط بأنها قضايا معقدة، والعمل على حلها هو عمل شاق جداً.
ورأت الوزيرة الأميركية أن أنشطة الاستيطان الإسرائيلية «لن تؤثر على المفاوضات المتعلقة بالوضع النهائي» لدولة فلسطينية و«حدودها النهائية». وقالت «يجب ألّا يتخذ أي طرف في هذه المرحلة إجراءً يمكن أن يسيء لنتيجة المفاوضات». وأضافت «يجب أن يكون واضحاً أن الولايات المتحدة ترى أن هذه الأنشطة (الاستيطان) لن تؤثر في الوضع النهائي للمفاوضات، ولا سيما ما يتعلق بالحدود النهائية». وأضافت إنها ستلتقي اليوم الاثنين رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ووزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك لمناقشة التطورات الأخيرة.
من جهته، شدّد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينه، على «أن عملية السلام تحتضر بسبب استمرار إسرائيل في الاستيطان وعدم جديتها في استمرار المفاوضات ونجاحها».
وأضاف أبو ردينه، عقب لقاء عباس ورايس، «إنه يجب على المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لوقف جميع النشاطات الاستيطانية المدمّرة لعملية السلام». وتابع «لا بد من تدخّل أميركي جدّي مع الجانب الإسرائيلي، وعلى الجانب الأميركي اتخاذ خطوات للضغط على إسرائيل لوقف سياسة الاستيطان أوّلاً ودفع إسرائيل باتجاه المفاوضات بشكل جدي للتفاوض حول جميع قضايا الحل النهائي».
وقبيل بدئها الزيارة الحالية لإسرائيل ورام الله، قالت رايس إن استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في مدينة القدس والأراضي الفلسطينية يعرقل عملية السلام. وحذرت من أن مشاريع البناء الجديدة في المستوطنات تؤثر على «ثقة» الأوروبيين في عملية السلام الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية.
وكانت رايس قد التقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ووزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك وكذلك رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غابي اشكينازي.
وحذّرت ليفني من أن الوضع «معقّد» في إسرائيل في وقت تأمل فيه واشنطن أن تتمكن من إعلان اتفاق إسرائيلي ـــــ فلسطيني قبل نهاية السنة الحالية. وقالت «بالتزامن مع التفاوض مع الفلسطينيين، علينا معالجة الصعوبات على الأرض، ولا سيما في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حماس». وردّت رايس على ليفني قائلة «هذا لا يمنعنا من البحث عن الحل الذي تسعون إليه للنزاع».
في هذا الوقت، قلّل مسؤولون إسرائيليون من إمكان نجاح رايس في دفع عجلة المفاوضات المتعثرة. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم إن «الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل لا يسمح بأي تقدم، وليس هناك شرعية جماهيرية لأي خطوة مع الفلسطينيين». وأضافوا إن رايس «تصل في وقت غريب، ويجب أن نفترض بأن الزيارة ستجعلها تدرك ما يمكن وما لا يمكن تحقيقه حتى نهاية السنة». وأشار مسؤولون آخرون إلى أن رايس ستحاول «بلورة آلية تسمح باستمرار المفاوضات حتى بعد الانتخابات في الولايات المتحدة رغم الأزمة السياسية في إسرائيل».
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن الفلسطينيين أعربوا في الأسابيع الأخيرة عن اهتمامهم بصيغة «وثيقة انتقالية» في حال عدم توصل الطرفان إلى اتفاق حتى نهاية 2008، على أن توثّق ما جرى الاتفاق عليه وتتقرر آلية لمواصلة المحادثات بعد انتخاب إدارة جديدة في الولايات المتحدة وبعد الانتخابات في إسرائيل.