أرنست خوري«ماذا يحصل لرئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان ولحزبه العدالة والتنمية؟». سؤال يشغل الصفحات الأولى لصحف البلاد منذ فترة. فرئيس الحكومة، «ملك البراغماتية» سابقاً، يتحول إلى صاحب شعار «الأمر لي». ويمكن لمسؤولي أحزاب المعارضة في تركيا أن يستريحوا وأن يدخلوا هدنة في حربهم الضروس ضدّ أردوغان؛ فالرجل في مأزق كبير لا علاقة لهم به: أنصاره وصحافته وقياديون بارزون في حزبه باتوا لا يطيقون الشخصية الجديدة التي يتلبّسها «الجنرال أردوغان» والتي لا تشبه شخصية أردوغانهم القديم، ذاك الهادئ، البراغماتي الباسم دوماً، الذي لا تغيظه شتائم «الأعداء»، والذي قام حزبه على مبدأ تزاوج بين إسلام حديث معتدل، وقيم ديموقراطية شعارها التسامح مع الخصوم... فكيف الحال بأهل الدار؟
يجمع متابعو الشأن التركي على أن أردوغان ينتهج منذ أشهر، سلوكاً غريباً عن شخصيته: تفرّد بالحكم الحزبي والحكومي. حدّة في التعاطي مع الإعلام إلى حدّ القذف والذم. غضب دائم يلازم تصريحاته واجتماعاته.
تختلف تفسيرات تلك العوارض في الشارع التركي، لكن الأكيد أن أردوغان تغيّر.
ولا بدّ لمن يقرأ عناوين الصحف التركيّة، وخصوصاً تلك المقرّبة من خطّ الحزب الحاكم، (توداي زمان، مليات، يني شفق، طرف...)، أن يلحظ أنّ النقمة على أردوغان آخذة في التعاظم. ولم تكن محطّة خطابه في محافظة هكاري قبل نحو شهرين، سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، حين قال لأكراد بلاده: «نحن أمة واحدة وبلد واحد ولدينا علم واحد، ومن لا يعجبه ذلك فليس عليه سوى الرحيل». «خطأ» الخطاب أدّى إلى تداعيات عديدة، ليس أخطرها استقالة نائب رئيس حزبه الكردي دنغير مير محمد فرات من منصبه. هو «خطأ» في كل المعايير. فأردوغان يدرك جيداً أن شعبية حزبه كبيرة للغاية في أوساط الأكراد، وهو ينتظر استحقاق الانتخابات المحلية في آذار ليخطف المركز الأول في تمثيلهم من حزب «المجتمع الديموقراطي»، فكيف يهين أكثر من 20 مليون كردي بهذه الخفّة؟
إشارة أخرى إلى تغيّر شخصية أردوغان هي إعلانه قبل أيام نيته الاستقالة من الحزب والحكومة إذا حلّ حزبه ثانياً في الاستحقاق الانتخابي: إما أسود أو أبيض، باتت استراتيجية سياسية للرجل الذي يسمّيه كثر في العالم أنه أبرز من يعرف كيف يدوّر زوايا المشاكل، لا التركية الداخلية فحسب، بل العالمية والإقليمية خصوصاً.
وبحسب الكاتب الشهير أحمد طاش غيتيرن، فإن أردوغان، رغم نزعته التفردية الجديدة، غير قادر على حسم معركة «الأمر لي»، بسبب وجود معارضة وصحافة ناشطتين، عازياً سبب السلوك الجديد لرئيس الوزراء إلى انفراط عقد الثلاثي الأبرز في حزب «العدالة والتنمية» الذي مثّل طويلاً حجر الزاوية في آلية التشاور داخل الحزب والحكومة: عبد الله غول، وبولند أرينش وعبد اللطيف شينر. فالأول انتخب رئيساً، والثاني تقزّم منصبه من رئيس للبرلمان إلى مجرد نائب، وشينر استقال من الحزب ويسعى لتأسيس حزب جديد.
ثمّ جاءت استقالتا فرات (بسبب انزعاجه من خطاب أردوغان كردياً) وأحد أبرز قياديي الحزب شابان ديشلي (على خلفية فساد مالي) لتضربا النواة الصلبة لـ«ديموقراطية» الحزب الحاكم، على حد تعبير غيتيرن. كما يشير الناقد إلى أن خطاب أردوغان عن الأكراد، «يعكس بوضوح شخصيته الرجعية»، بينما لا يفهم حسن كمال (من مليات) سبب هذا السلوك، إلا أنه «عناد خطير».
أما الاقتصادي محمد ألتان، فيعزو السبب إلى قانون الأحزاب في تركيا وإلى التقاليد الحزبية التي تجعل من كل رئيس حزب «عازف سولو» بسبب شهوة السلطة التي تربّت في داخله.
ويتوقّع ألتان أن تزداد حدّة الانتقادات الداخلية ضدّ أردوغان. ففي السابق، كان الوضع الاقتصادي يعرف انتعاشاً لافتاً، لذلك خفتت الأصوات المعترضة. أما اليوم، وفي ظل التأثر الكبير الذي أصاب تركيا بفعل الأزمة المالية العالمية، وعلى أبواب انتخابات آذار وأزمة البطالة والمشكلة الكردية، فلا بد من أن ترتفع وتيرة النقمة الحزبية والشعبية ضده.
بدوره، فإن الصحافي في «توداي زمان» حسين غولرس يصف نفسه بأنه معارض لـ«أردوغان الجديد» من داخل الحزب، وموقفه يشبه وضعية الكاتب في «يني شفق» فرمي كورو الذي رأى أن أردوغان «وصل إلى الحكم كباراك أوباما قبل أن يتحوّل إلى جورج بوشها الابن».
ونزل الصحافيان إمري أوسلو وأوندر أيتاش إلى شارع «العدالة والتنمية» لاستطلاع آراء القاعدة بالتغيّر الأردوغاني، ليخرجا بشبه إجماع عن الاستياء من هذا السلوك المستجد. وفي معرض تحليلهما، يلفت الصحافيان إلى أن التغير المفاجئ وغير المستحب، قد يكون سببه التحالف الذي يرسيه أردوغان مع القائد الجديد للجيش التركي إلكر باسبوغ، ومحاولة رئيس الحكومة التشبّه بشخصيات جنرالات تركيا! لكن لا يمنع ذلك كله، من أن العديد من المحازبين لا يزالون مصرّين على أن رئيسهم «منسجم مع نفسه» ولا يشعر بالحاجة لتبرير سلوكه لأحد.