طهران ـ محمد شمصلا تزال آثار تجربة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في السلطة واضحة على سلوك الرجل الفكري وممارساته العملية، إذ يعتقد أن المحافظين مارسوا سياسة التعطيل في عهده بهدف منع تحقّق برنامجه وأهدافه. وبالتالي استطاع المحافظون إقناع الرأي العام الإيراني، ولا سيما القاعدة الشعبية للإصلاحيين، بأن خاتمي غير قادر على إدارة شؤون البلاد، والأهم تطبيق مشروعه الإصلاحي.
هذا الهاجس كشف عنه خاتمي، في لقائه مع طلاب جامعة طهران أول من أمس، إذ نصح بأن يكون مرشّح الاصلاحيين إلى الانتخابات الرئاسية «شخصية غير جدلية وأقل حساسية لدى القوى السياسية المختلفة». وأضاف «إن برنامج المرشّح مهمّ لكن بشرط أن يكون قادراً على تطبيقه، وأعتقد أن الظروف اليوم أصعب، ونحن غير قادرين على إكمال مسيرة التغيير، ولا يمكن أن نقدّم الوعود للناس ولا نطبّقها. ولا أقول إنني لن أترشّح بل لا أزال أدرس الموضوع».
غير أن بعض المراقبين يعتقدون أن كلام خاتمي لا يعدو كونه مناورة انتخابية لا تحاكي واقع الرغبة الشديدة للإصلاحيين، الذين ينشطون ويضغطون باتجاه إقناع خاتمي ودفعه الى الدخول في المنافسة مباشرة. ومع أنه لم ينف إمكان ترشّحه، إلاّ أن سياق كلامه يشير الى أن عودته الى الحكم قد تعني بالضرورة استنفاراً في المقلب الآخر لوضع العراقيل في طريقه، الأمر الذي لا يخدم مشروع الإصلاحيين التغييري.
لهذا فإن النقاش الدائر الآن داخل دوائر صنع القرار في جبهة الأحزاب الاصلاحية هو التفاهم على مرشّح موحّد لا يغضب مجيئه المحافظين. ويعتقد مراقبون أن رئيس حزب «اعتماد مللي»، الشيخ مهدي كروبي، هو إحدى الشخصيات المرشّحة التي تنطبق عليها المواصفات المذكورة، وخصوصاً بعدما حسم خياره في اللاعودة عن ترشّحه لموقع الرئاسة. وربما يكون المرشّح الآخر، رئيس الوزراء الأسبق، مير حسين موسوي، الذي بدأ أنصاره ينشطون بقوة وهم بصدد إطلاق موقع الكتروني جديد لهم.
وما يتعرّض له خاتمي من انتقادات مركّزة، إنما تأتي في سياق قلق المحافظين من عودته الى السلطة، بما يمثّله الرجل من خطر على منافسه المفترض الرئيس محمود أحمدي نجاد، حسب مصادر في التيار الاصلاحي. بيد أن المحافظين يهزأون بقدرة الطرف المقابل على المنافسة، وخصوصاً أن نجاد لا يزال يتمتع بغالبية شعبية في المحافظات الايرانية.
رغم ذلك يقود المحافظون حرباً نفسية ودعائية مدروسة تستهدف القاعدة الشعبية للإصلاحيين، من خلال تذكيرهم بأن أموال النفط في عهد خاتمي قد تبخّرت. وطالب الأمين العام لحزب «المؤتلفة»، محمد نبي حبيبي، ديوان المحاسبة بالتحقيق ومساءلة خاتمي عن كيفية ومكان صرف هذه الأموال، الأمر الذي بقي «من دون أجوبة»، حسب حبيبي.
ويبدو أن المحافطين يتقنون التصويب على خاتمي، فهم اختاروا أولاً الاقتصاد لمخاطبة قلوب الايرانيين وعقولهم وتحميل خاتمي المسؤولية. وثانياً، العلاقة المرتبكة والمشبوهة بين الإصلاحيين والغرب، ولا سيما أميركا. خطورة استشعرتها منظمة «مجاهدي الثورة» الإصلاحية، حين حذرت من أن كلام الرئيس الاميركي جورج بوش ودعمه للإصلاحيين، ستكون له نتائج عكسية تصب في مصلحة «المبدئيين». ونصح عضو الشورى المركزية في المنظمة، صادق نوروزي، بعدم الرهان على الدعم الاميركي لأن واشنطن لا تريد مصلحتهم.
ويبقى الترقّب سمة المرحلة المقبلة في المشهد السياسي الايراني المليء بالمفآجات، فيما نبض الشارع الذي ينشد التغيير الديموقراطي في كل دورة انتخابية وكما في السابق يحيطه الغموض ليقرّر الناخب الإيراني في اللحظات الأخيرة الحاسمة.