الكشف عن تورّط برلين حتّى النخاع في احتلال العراق عام 2003، بات حقيقة أكدتها القيادة العسكرية الأميركية نفسها. حقيقة يبدو أنها مخجلة بالنسبة إلى حكّام ألمانيا الذين يحاولون من دون جدوى التنصّل من هذا التورّط الاستخباري
برلين ــ غسان أبو حمد
تأكد أخيراً، على لسان كبار ضباط الجيش الأميركي، أن التقارير المعلوماتية التي قدّمتها الاستخبارات الألمانية إلى نظيرتها الأميركية إبّان الحرب على العراق كانت على درجة عالية من الأهمية العسكرية، وأكثر «دقّة وثقة» بالنسبة إلى الضباط الأميركيين من أجهزة استخباراتهم.
ونشرت مجلة «درشبيغل» الألمانيّة، في عددها الأسبوعي الذي يصدر اليوم، معلومات جديدة نقلاً عن قائد فرقة المشاة البرية في الجيش الأميركي الجنرال جايمس مارك، عن التعاون الاستخباري الألماني في غزو العراق عام 2003. معلومات جزم خلالها مارك أن الإحداثيات التي قدّمتها الاستخبارات الألمانية إلى القاعدتين الأميركيتين في الدوحة وفي الكويت، والمتعلقة بانتشار القواعد العسكرية العراقية وتجهيزاتها في زمن الرئيس صدام حسين، كانت بالنسبة إلى الجيش الأميركي «أكثر دقّة وأكثر ثقة» من المعلومات التي كانت بحوزة أجهزة الاستخبارات الأميركية نفسها.
ويذهب الجنرال الأميركي أبعد من ذلك في اعترافاته، حين يشير إلى أن المعلومات الألمانية هي «التي عجّلت بشنّ الهجوم الأميركي على العراق وشنّ الطلعات الجوية الخاطفة على مطار بغداد والمطارات العسكرية الأخرى».
كما تنقل المجلة الألمانية عن ضابط عسكري أميركي آخر، يحمل رتبة «رفيعة جداً»، قوله إن الاستخبارات الألمانية «قامت بنشاط جيّد ودقيق إبان الحرب على العراق، ومن يعتقد خلاف ذلك ويقلّل من دور المعلومات السرية الألمانية، يعِش فعلاً على كوكب آخر».
ويمثّّل هذا التقرير الصحافي، تكذيباً لنفي وزير الخارجية فرانك والتر شتاينماير ضلوع بلاده في أي دور مساعد للولايات المتحدة على احتلال بلاد الرافدين.
بدوره، حاول رئيس جهاز الاستخبارات الألمانية، أرنست أورلاو، يوم الخميس الماضي في شهادته أمام لجنة برلمانية، التقليل من «دقة» المعلومات التي ذكرها الضباط العسكريون الأميركيون للمجلة، بما أن «المعلومات الألمانية التي عرضت على الأميركيين كانت قليلة وسطحية ولا فائدة عسكرية لها».
مسعى شاركه فيه رئيس جهاز الاستخبارات الألمانية السابق، أوغست هانينيغ، الذي لفت إلى أن تلك «المعلومات السرية لا تسمح بتوفير أرضية للقيام بهحوم جوي أميركي على العراق».
وكان المسؤولون الألمان، الذين خضعوا للمساءلة أمام لجنة التحقيق البرلمانية، وتحديداً شتاينماير وأورلاو، يشدّدون باستمرار على أن ما عرضته برلين من معلومات سرّية على الجيش الأميركي قبل الاجتياح، يتعلق حصراً بالمراكز والمواقع الحكومية العراقية غير العسكرية كالمدارس والمستشفيات، «بهدف المساعدة الإنسانية وعدم تعريض حياة المدنيين الأبرياء للخطر». حجّة دفعت بـ«در شبيغل» إلى السخرية عبر استخدامها عنواناً عريضاً: «الألمان هم أبطال دائماً!».
وقد وفّرت المعلومات الصحافية الجديدة أرضية هجوم سياسي شنته أحزاب المعارضة الألمانية على التحالف الحاكم، إذ رأى كل من رئيس «الحزب الليبرالي الديموقراطي»، ماكس شتادلر، ورئيس «حزب البيئة» (الأخضر)، كريستيان شتروبليه، أن المعلومات الصريحة التي أدلى بها الضباط العسكريون الأميركيون، والنفي «الخجول لقادة الاستخبارات الألمانية، يؤكدان الشكّ الذي يحيط بنشاط جهاز الاستخبارات الألمانية ودوره في الحرب على العراق».