واشنطن ــ محمد سعيديبدأ المبعوث الأميركي الخاص لعملية تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، جورج ميتشل، اليوم، زيارته الأولى للمنطقة في مهمّة تستمر حتى الثالث من شباط المقبل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، روبرت وود، إن المبعوث الأميركي سيبدأ جولته في القاهرة للاطلاع على تطورات المبادرة المصرية وجهود تثبيت وقف إطلاق النار.
وأكد وود أن ميتشل لن يلتقي بأي من ممثلي حركة «حماس»، ولن يزور في الوقت الراهن سوريا أو تركيا، من دون أن يستبعد زيارة في وقت لاحق. وقال إن ميتشل سيبحث «تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار وإقامة نظام رقابة فعال وذي صدقية ضد تهريب الأسلحة ومنع تسليح حماس». كذلك سيبحث «تسهيل إعادة فتح المعابر وبحث تطور برنامج للمساعدات الإنسانية الضرورية لقطاع غزة وإعادة الإعمار».
وقد لاقت جولة ميتشل ترحيباً إسرائيلياً وأوروبياً وعربياً، رأى أنّ الخطوة الأميركية هذه جيدة في سياق الجهود التي تعهد الرئيس باراك أوباما بذلها في المنطقة. إلاّ أن سبب الترحيب بميتشل يتفاوت بين العرب وإسرائيل. فالعرب يبدون متفائلين بكونه من أصول عربية لبنانية، متناسين أن فيليب حبيب، الذي أشرف على إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها وزعاماتها من لبنان في عام 1982، كان ينتمي إلى الأصول نفسها. أما الإسرائيليون، فيرون في ميتشل ذلك الرجل الداعم لإسرائيل منذ أن كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.
وبالعودة إلى أصوله العربية، فلم يعرف عن ميتشل افتخاره بها. وخلال عضويته في مجلس الشيوخ، لطالما تلقى تبرعات مالية كبيرة من لجان العمل السياسي اليمينية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية. كما يشير سجله في المجلس إلى تأييده القوي لتزويد إسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية أميركية غير مشروطة، سواء في عهد حكومة إسحق شامير أو إسحق رابين، بالتزامن مع معارضته إقامة دولة فلسطينية. وأكثر من ذلك، كان ميتشل قد انتقد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر، حين وصف المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بما فيها القدس، بأنها تقام على أراضٍ احتلتها إسرائيل في عام 1967، داعياً إلى ضرورة اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل القدس من جانب واحد، وبعض المستوطنات في الضفة الغربية. خطوة هي انتهاك للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.

ميتشل في الأصل محامٍ. ساهم نجاحه في التوصل إلى اتفاقية السلام في إيرلندا الشمالية عام 1998، المعروفة باسم اتفاقية «الجمعة العظيمة»، إلى الاعتقاد بإمكان نجاحه في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على مساره الفلسطيني.
وإثر اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، ألفت الجمعية العامة للأمم المتحدة، لجنة تحقيق برئاسة أستاذ القانون الدولي ريتشارد فولك (وهو أميركي يهودي)، لبحث أسباب الانتفاضة والنظر في حلول ممكنة لوقف «العنف». حاولت الولايات المتحدة تهميش عمل هذه اللجنة. وسارع الرئيس بيل كلينتون إلى تعيين لجنة برئاسة ميتشل سميت لجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق.
بعدها، أعلن وزير الخارجية الأميركي في حكومة جورج بوش الأولى، كولن باول، في عام 2001، تبني عمل اللجنة، التي قدمت في 30 نيسان من العام نفسه، تقريرها الذي تضمن 15 توصية لـ «إعادة بناء الثقة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين من بينها: استئناف محادثات التسوية، وتجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإدانة التحريض وحماية الأماكن المقدسة لليهود والمسلمين والمسيحيين، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67. إلا أن حكومة بوش لم تكترث لتوصيات لجنة ميتشل.
من هنا، تتساءل الأوساط السياسية في واشنطن عما إذا كانت حكومة أوباما مستعدة لدعم ميتشل لانتهاج طريق «أكثر توازناً» لدفع عملية التسوية إلى الأمام. فميتشل، بعدما عينه أوباما مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، يواجه اليوم تغيرات ليس أقلها بروز حركة «حماس» طرفاً أساسياً في الصراع مع إسرائيل.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن «أوباما يسير وفقاً للخط الذي تبنته حكومة سلفه جورج بوش إزاء الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، مع ميل بسيط للتعاطف مع ما يعانيه الفلسطينيون جراء العدوان الإسرائيلي على غزة»، مشيرة إلى «تعيين ميتشل خطوة في الاتجاه الصحيح». غير أنها قالت في الوقت نفسه إن «أوباما لم يبتعد في كلمته يوم الخميس الماضي في وزارة الخارجية الأميركية، عن موقف حكومة سلفه بوش، إذ ردد الشروط الثلاثة الشهيرة التي تتضمن: التزام حماس وقف المقاومة والاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها».
في السياق، يقول المحلل الأميركي، ستيفن زونس: «حتى لو سلمنا بنيات ميتشل الطيبة، فإن هناك تعارضاً جوهرياً لا يزال قائماًً بين اعتبار الولايات المتحدة الوسيط الرئيسي في الصراع، وكونها الداعم الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً».