strong>دراسة تروي قصّة النزاع وكيفيّة تحوّله إلى قضيّة أميركيّة داخليّة«منقذون وباقون» دراسة صدرت للبروفيسور محمود مامداني الأسبوع الماضي عن دار «بانثيون ـــــ نيويورك»، يتحدث فيها عن الصراع الدائر في دارفور، ويدحض خلالها «الأرقام التضليلية للغرب وإعلامه»، بدأ بإعدادها من الإقليم نفسه حين زاره في 2003 مع اندلاع الحرب الأهلية الثانية

نيويورك ــ نزار عبود
يقول الكاتب محمود مامداني، في دراسته «منقذون وباقون»، إن الحرب في دارفور بدأت في 1987 بين البدو الرعاة الرحّل والفلاحين المقيمين. وسبب الحرب القحط الشديد الذي جعل الصحراء تزحف مئة كيلومتر، وتلتهم المراعي الخضراء على مدى 40 عاماً. لكن السبب الأهم هو أن البريطانيين عندما وزّعوا الأراضي في المنطقة، قسّموا السكان إلى صنفين: «الأصليين» أي الفلاحين، و«المستوطنين» أي الرعاة. ونال الفلاحون مساحات شاسعة على حساب الرعاة.
وشرح مامداني، في نادي الصحافة في مقر الأمم المتحدة، كيف لعبت المعارضة السودانية على التناقضات بين المزارعين والرعاة لإضعاف الحكومة في الخرطوم، وسمع من أطياف المعارضة رغبة جامحة لفرض منطقة حظر جوّي فوق دارفور، وترحيب بزحف القوات الأجنبية إلى بلادهم. وأضاف أن المعارضة استغلت خطة الدولة لمعالجة حقوق قبائل الرعاة في التسعينيات من القرن الماضي، وساعدت الفلاحين على الوقوف في وجه الرعاة. لكنّه بقي مجرد نزاع قبلي على الأرض والنفوذ، ولا تمكن مقارنته بأي إبادة جماعية حصلت في القارة الأفريقية.
ويتحدث مامداني، الأميركي الأوغندي الأصل، في كتابه عن كيف أن الحرب الباردة حوّلت الدول الإقليمية في القارة السمراء إلى ساحة لصراع العمالقة. صراع ما لبث أن امتدّ إلى إقليم درافور، الذي يحتوي على النفط واليورانيوم. ويروي بالتفصيل كيف تحول دارفور إلى قضية داخلية أميركية، وقضية دولية عظمى، ولا سيما بعد توجيه تهم جرائم الحرب والجرائم بحقّ الإنسانية إلى رئيس السودان، عمر حسن البشير.
ويقول مامداني إن «الإعلام الأميركي أسهم بصورة منظمة في ترسيخ مزاعم خاطئة عن دارفور بجهد بذلته دوائر معينة في إدارة جورج بوش السابقة ونظيرتها في إدارة لباراك أوباما». وقال إن حركات السلام الأميركي، وفي مقدمتها حركة «أنقذوا دارفور»، جمعت 15 مليون دولار باسم درافور، لكي تنفقها على حملات إعلامية مدفوعة، ورفعت شعارات «اخرجوا من العراق! واذهبوا إلى دارفور!». ويشير إلى أن الحركة أثارت نعرات قومية تركز على أن «العرب الذين تاجروا بالعبيد في التاريخ، الآن يعودون إلى إبادة الأفارقة البؤساء». ولا يستخدمون في هذه اللعبة «الإسلاموفوبيا»، لأنّ الأفارقة والعرب في دارفور مسلمون.
وألقى مامداني اللوم في ترويج «أرقام مغلوطة» عن عدد الضحايا في الإقليم على وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جون هولمز، الذي قال في 2007 إن عدد الضحايا وصل إلى 300 ألف، بينهم 200 ألف قُتلوا في 2003، فأشار الكاتب إلى أن «ما من أحد أحصى تلك الأعداد بطريقة علمية مدروسة». واتهم وزارة الخارجية الأميركية بإجراء دراستين، واحدة للنشر العام، وأخرى لمعرفة الحقيقة، بقيت طي الكتمان. غير أن مكتب التدقيق التابع للكونغرس قرّر في 2006 التدقيق في أرقام ست منظمات ساقت أرقام ضحايا في دارفور، كان أعلاها 400 ألف قتيل، وأدناها جاء من منظمة الصحة العالمية التي تحدثت عمّا بين 50 و 70 ألفاً. ثم نشر دراسة انتقد فيها «الأرقام العالية الخاطئة».
والتضارب في أعداد القتلى يعود إلى أن القسم الأكبر من الوفيات يكون نتيجة المرض والبرد وسوء التغذية، وهو ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية، التي عزت نسبة 20 في المئة فقط من الوفيات إلى العنف.
وأثناء زيارته للسودان عام 2006، نفى وزير الخارجية الأميركية السابق، كولن باول، حدوث إبادة جماعية، قائلاً: «دارفور ليست رواندا». لكنّه عاد وأكد في إفادته أمام الكونغرس وجود إبادة. ويقول مامداني: «مثلما ندم على إفادته أمام مجلس الأمن قبل غزو العراق، لا بد أنه ندم على هذه الإفادة أيضاً».
وشرح مامداني سبب تحول مشكلة دارفور إلى مشكلة أميركية داخلية منذ 2003، موضحاً أن «المحافظين الجدد كانوا يودون تحسين صورة الولايات المتحدة بعد الجرائم الهائلة التي ارتكبوها في العراق». وقال إنه «لا يتوقع أن تكون إدارة أوباما أقل تحيزاً بسبب سيطرة الذهنية نفسها المحافظة عليها».