تاميفلو» أو «ريلانزا» أو أقنعة لاتّقاء الوباء
باريس ــ بسّام الطيارة
اصطفّ خمسة كلاب على مدخل صيدلية الحيّ الباريسي. إذاً هناك زحمة في داخل الحانوت الصغير. أصلاً، تشكل الصيدليات في فرنسا أكثر الأمكنة التي يتردد إليها المواطنون، وهو «أحد أسباب عجز الضمان الصحي». إلا أن الزحمة هذا الصباح كانت كبيرة جداً. ومن بين المصطفّين، عدد من «الوجوه الغريبة عن الحي».
وراء صندوق المحاسبة، وقفت صاحبة الصيدلية وعاملتان. لا تفارق الابتسامة ثغر «مدام كليان». كل الطلبات متشابهة: «بضع جرعات من تاميفلو». عبارة يقولها الزبون بصوت خافت وكأنه يطلب دواءً ممنوعاً. وتأتي الإجابة دائماً بصوت مرتفع: «آسفة كان عليك المجيء أمس، لقد بعت كل المخزون». يلتفت الزبون إلى الخلف وكأنه خائف من الآخرين أو يشكّ بأن وجود هؤلاء يمنع التاجرة من الإفصاح عمّا لديها. يحاول تذكيرها بأنه زبون دائم بعكس بعض الواقفين وراءه، إلا أن برودة الجواب تحسم الأمر. وفيما يهم للخروج من الصف لإعطاء مكانه لسيدة تقف وراءه، يستدرك قائلاً «إذاً أعطني أقنعة».
الأقنعة متوافرة فتعطيه صاحبة الصيدليّة علبة فيها ٦ منها. يطلب علبتين، يدفع ثمنهما ويخرج. تهمس السيدة التي وصل دورها وكأنها تحمل سراً: «أعرف أنه لا يوجد عندك تاميفلو ولكن هل عندك ريلانزا؟». وريلانزا هو الدواء المشابه للتاميفلو لصدّ أنفلونزا الخنازير. لكن الجواب يأتي حاسماً أيضاً «لا».
يبدأ التململ في صفوف الواقفين. تلمح الصيدلانية سيدة تبدو كأنها صديقتها. تقول لها «لقد مرّ مسيو جورج وأخذ أدوية الطفلة». تفهم السيدة «التلميح» فتقول شكراً وتخرج. إلا أن بعض الواقفين أيضاً يفهمون المعنى المبطن، فيقول عجوز «تذكّرينني بأيام الحرب والسوق السوداء» حين كان التجار يخفون البضائع ويخصّصونها لمعارفهم.
لا يزال مستوى الإنذار من المرض في فرنسا مصنّفاً في المرتبة الخامسة. ولكن، مع الكشف عن وجود إصابتين في باريس، ورغم تصريح السلطات بأنّ كل الجرعات الضرورية يمكن تأمينها مباشرة لدى تلقّي العلاج، إلا أن نوعاً من الهلع ينتاب المواطنين، ومن المتوقع أن يزداد قريباً بعدما كشفت الإدارة الصحية عن بعض الإجراءات والتصرفات اللازمة لحصر الوباء.
أصبحت الساعة الثالثة. لم يعد لدى «مدام كليان» أي قناع لتبيعه. إلا أن بعض «الأصدقاء» كانوا يدخلون من الباب الخلفي ويخرجون حاملين أكياساً سمراء غير أكياس الصيدليات البيضاء ذات الشارات الخضراء.