باريس ــ بسّام الطيارةوالواقع أن علمانية فرنسا والسياق التاريخي لسياستها في المنطقة العربية، إضافة إلى معرفتها العميقة بالتشابك السياسي المتناقض لـ«المجموعات المذهبية»، يفترض أن يمنعها من الانسياق وراء التلاعب على الوتر المذهبي، الذي هو «من اختصاص الإنكليز» كما يردد دائماً دبلوماسيون فرنسيون. وقد يفسر هذا امتناع الجهات الرسمية عن التعليق على التجاذب بين مصر وحزب الله أو مع كل بيان يصدر «عن التحرك الشيعي في المنطقة».
ورغم تواضع التغطية الإعلامية الفرنسية لأخبار «خلية حزب الله في مصر»، إلا أن أكثر من متابع يتخوف من أن ينتقل «الشرخ المذهبي إلى الأراضي الفرنسية» في ظل الجو المحموم الذي تؤججه الفضائيات العربية. ويقول بعض ممن حضروا المؤتمر السنوي للجاليات الإسلامية في مركز المعارض في لوبورجيه في شمال الضاحية الباريسية أن «الحديث المذهبي كان حاضراً بقوة بين الزائرين والعارضين».
وذكر أحد أصحاب دور النشر لـ«الأخبار» أن «بعض الزبائن كانوا يسألون قبل البدء بالتبضع عمّا إذا كان شيعياً أم لا؟». بينما يقول زائر إنّ من السهل معرفة مذهب صاحب الكشك «بمجرد إلقاء نظرة على عناوين الكتب المعروضة». والواقع يخالف هذا التأكيد، إذ إن جولة بين أروقة المعرض تدل إن لزم الأمر على أن «جميع الأكشاك تقريباً» تحمل ما هب ودب من كتب تتناول مجمل المشارب والمدارس والمذاهب، من دون أن يمنع هذا بعض دور النشر من وصف نفسها بأنها «تطبع كتب أهل السنة والجماعة»، مع اعتراف الجميع بأن الكتب الأكثر مبيعاً هي كتب «ابن عربي» والتصوف.
ويدرك الدبلوماسيون الفرنسيون أن «هذا التوتر المصبوغ مذهبياً» الزاحف نحو أوروبا عبر المتوسط هو «الرأس البارز من جبل من جليد الانقسام العربي»، الذي يدور حول أمور وطروحات «بعيدة جداً عن المذهبية» تصبّ كلها في كيفية تسيير عربة الصراع العربي الاسرائيلي. وتجد الدبلوماسية الفرنسية نفسها على قوس نقيضين في تحالفاتها الإقليمية بين رغبة في الانطلاق في مسيرة سلام تبرز «دور دول التطبيع»، وتكملة طريق «تليين مواقف دول الممانعة» عبر إعادة وصل مفاوضات سلام غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل.