خاص بالموقع | 05:31 PMبول الأشقر

قبل شهرين، وفي الساعات الأولى لجلسة «قمة الأميركيات» في ترينيداد وتوباغو، توصّل النافذون في القمة إلى تسوية لعدم إفشال الاجتماع الذي كان يمثّل طلّة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأولى إقليمياً. تسوية تضمنت في حينها نقطتين: بدء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وكوبا بشأن خلافهما الثنائي، وعودة كوبا إلى المنظمة التي طُردت منها قبل 47 عاماً.

وبالفعل، انطلقت مفاوضات تمهيدية، وإن على مستوى متدنٍّ بين مندوبين كوبيين وأميركيين، لا يزالون حتى اليوم يحاولون الاتفاق على جدول أعمال لبدء عملية التفاوض الفعلية.

ومن ناحية أخرى، اقترب موعد الجمعية العمومية الـ39 للمنظمة التي ستنعقد بعد أيام في هوندوراس. ولم يصل المجتمعون إلى اتفاق موحّد بين مسودة قرار تقدمت بها المضيفة هوندوراس، وأخرى تقدمت بها كوستاريكا الأقرب إلى الطروحات الأميركية. عندها، قدمت نيكاراغوا مسودة أخرى، وكذلك دول الكاريبي. وأمام احتقان الحوار، عُقد «اتفاق شرف» بسحب المشاريع كلّها.

ومع اقتراب موعد قمة هوندوراس في 2 و3 حزيران المقبلين، قرّر القيمون على القارة اللاتينية تكثيف جهودهم للوصول إلى توافق. ولهذه الغاية، عُقد، أول من أمس، اجتماع جديد انتهى بمأزق مماثل. وقد عرضت خلاله ثلاثة مشاريع تتفق جميعها على هدف عودة كوبا إلى المنظمة، لكنها تختلف على المسار للوصول إلى هذا الهدف، لأنّ «الشيطان يكمن في التفاصيل».

وتقدمت الدولة المضيفة، هوندوراس، بالمشروع الأول، وهو يكتفي بطلب إلغاء قرار وطرد كوبا منذ نصف قرن، ويحيل مسار العودة إلى رغبة الدولة الشيوعية أولاً، وإلى آليات تحددها الهيئات المختصة في المنظمة مع هافانا. وتقدمت بالمشروع الثاني نيكاراغوا، وهو يطالب بإلغاء القرار «لتصويب الظلم المرتكب بحق كوبا»، إذ يصف قرار الطرد بـ«المجحف والمخالف لميثاق المنظمة والحق الدولي».

أما المشروع الثالث، فقد تقدمت به الولايات المتحدة، وهو، إذ يطلب من المنظمة فتح حوار مع كوبا لعودتها (وهي سابقة تاريخية في العلاقات الثنائية بين الدولتين)، يرهن العودة بالتزام كوبا نصاً مرجعياً من نصوص المنظمة عن تلبية شروط الديموقراطية. وكانت حصيلة الجلسة تلك، الاتفاق على تكثيف التفاوض قبل موعد الجمعية العمومية في لجنة عمل لمحاولة التقدم بمشروع قرار جديد.

وفيما يضيق هامش التفاوض مع نفاد الوقت، جزمت واشنطن بأنها لن تذهب أبعد من موقفها الأخير، بينما بدأت فنزويلا المؤيدة لموقف نيكاراغوا، تلمّح إلى إمكان خروجها مع حلفائها من منظمة «لا ترى فيها لا فائدة ولا جدوى»، إذا فُرض أي شرط على كوبا.

وجديد القضية، محاولة أخيرة تقوم بها منظمة «ألادي»، وهي منظمة إقليمية متخصصة بشؤون التعاون والتكامل، تضم دول أميركا الجنوبية والمكسيك وكوبا. وتعدّ المنظمة المذكورة مشروع قرار جديد، يدخل كوبا ــ ولو بطريقة غير مباشرة ــ في عملية التفاوض. وقد بدأ شدّ الحبال الفعلي بين إدارة أميركية تعمل على ذوبان بطيء لجليد علاقاتها مع هافانا، في مقابل حد أدنى من التنازلات لحفظ ماء الوجه ضدّ قيادة كوبية تشكك بجدوى منظمة «الأميركيات»، وتبدي حذرها الدائم إزاء واشنطن.

وإزاء لعبة الشطرنج الصامتة تلك، يتشابك بطء التقدم الحاصل على المستوى الثنائي الأميركي ـــــ الكوبي، بقصة عمرها نصف قرن وتعود إلى عهد الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاوير وانتصار الثورة الكوبية والإنزال الأميركي المعادي للثورة في «خليج الخنازير» وهزيمته الكبيرة في أيام معدودة. أحداث لا يمكن فصلها عن الجمعية العمومية لقمة الأميركيات التي عُقدت في عام 1962 في بونتا ديل إستي في الأوروغواي، وتقدمت خلالها واشنطن باقتراح «تجميد عضوية كوبا لتناقض ماركسيتها اللينينية المعلنة مع مبادئ المنظمة»، فنال الاقتراح تأييد 14 عضواً من أصل 21 دولة، في ظل امتناع ستة ومعارضة كوبا طبعاً.

آنذاك، انتقمت الولايات المتحدة من هزيمة مغامرتها العدوانية قبل 9 أشهر، وبدأ فعلياً حصار كوبا من الولايات المتحدة المستمر حتى اليوم، فدخلت العلاقات بينهما في حرب مثّلت إحدى الحلقات الأبرز للحرب الباردة.