لم يقتصر الارتباك على تصريحات السياسيين الفرنسيين الذين حتى اللحظة لم يضعوا الإصبع على الجرح الذي أودى بالبلاد إلى المرحلة الحالية. فالإعلام الفرنسي لم يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، واقتصرت أبرز دعواته، إثر الاعتداء الذي تعرّضت له مجلة «شارلي إيبدو»، على الحفاظ على الوحدة بين الفرنسيين وعدم الانجرار إلى أي حرب، وحماية قيم الجمهورية، ومواجهة الاعتداء على الحرية بالحفاظ عليها. وبمعزل عمّا إذا كان كل ذلك كافياً من أجل التماهي مع الخطاب السياسي الرائج حالياً، إلا أنه بالنسبة إلى بعض الوسائل الإعلامية وصل إلى حدّ تشبيه الوضع بأحداث 11 أيلول، كحال صحيفة «لو موند» التي تحدثت عن «11 أيلول فرنسي». وهذا الأمر إن دلّ على شيء، فعلى حالة نكران يعيشها المجتمع والساسة، وأيضاً الإعلام الفرنسي الذي يتعامى عن حقيقية أساسية تبنى عليها كافة الأحداث اللاحقة، وهي أن منفذي الهجوم على «شارلي إيبدو» هم فرنسيون، مفضّلاً التطرّق فقط إلى واقع آخر وهو أنهم «إسلاميون».

أمس، لم يبحث الإعلام الفرنسي عن السبب، هو تحدث عن حلول بعدما تذكر الزملاء الذين قتلوا. تمحورت الاقتراحات على التشديد على الوعي في وجه التهديد، أو مثلاً على «مقاومة الكره جماعياً»، كما رأى المفكر الفرنسي عبد النور بيدار الذي نشر مقالاً في صحيفة «لو موند» أشار فيه إلى «11 أيلول خاصّتنا». تحدث عن كره لا بدّ من مواجهته من خلال عدم «الانجرار وراء الجراح التي يتركها». وحذر من الرد على الألم بالألم واستخدام العنف لإحقاق العدالة، واختيار الانتقام مقابل هذا الألم. وانطلاقاً من هذا الواقع، أضاف بيدار أن «هذا ما سيواجهه المجتمع الفرنسي حالياً، هذا هو الخطر الذي يجب أن نكون قادرين على مقاومته جماعياً: خطر الكره الذي يطلقه بعض المجانين ليصبح عاماً، ويأخذنا إلى ما يشبه الحروب الدينية»، من دون أن يتطرق إلى هوية هؤلاء «المجانين» أو الظروف التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه أو البيئة التي عاشوا فيها في «بلدهم» فرنسا. «انتبهوا إلى هذا الكره البربري، ولتكونوا متيقظين في مواجهته، هو الذي يضربنا كلنا الآن بشكل قاس يمكن أن يدفعنا إلى الاعتقاد بأن فرنسا والإسلام عدوّان ليس لديهما خيار غير تدمير أحدهما الآخر»، قال بيدار الذي أوضح أن «هذا السيناريو الملعون يجب أن نقاتله بكل قوانا، يجب ألا ننساق إلى الفوضى حيث يوجد هؤلاء البرابرة».
وفي ترديد للخطاب السياسي السائد خلال اليومين الماضيين، تحدث المفكر الفرنسي عن «اللحظة التاريخية أمام سياسيينا، ومؤسساتنا، وقيمنا، أمامنا جميعاً من أجل تأكيد وحدتنا كأمة».
مدير صحيفة «لو موند»، جيل فان كوت، كتب في مقال بعنوان «أحرار، منتصبون، معاً» أن الصدمة التي أعقبت الهجوم ضد «شارلي إيبدو»، «تأخذنا نسبياً إلى الصدمة التي أعقبت هجوم 11 أيلول 2001».
ورأى أن الصحافيين الذين قتلوا «كانوا يقاومون منذ سنوات من خلال الكاريكاتور والوقاحة في وجه التعصب»، مضيفاً أنه «رغم تهديده منذ عشر سنوات لأنه تجرّأ على السخرية من النبي، لم يتراجع فريق شارلي إيبدو، بل أكمل مستخدماً سلاحه الوحيد، أي القلم في القتال من أجل حرية التفكير والتعبير».
واستعاد الكاتب كلام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أن «الجمهورية بأكملها هي التي تعرّضت لاعتداء»، فهذا اعتداء على شعارها «الحرية، المساواة، والأخوة»، وعلى القيم التي تعبّر عنها.
وأضاء الكاتب على جانب آخر، هو أن الهجوم على «شارلي إيبدو» يمثّل تحدياً لمبدأ العلمانية في الجمهورية الفرنسية، إضافة إلى مبدأ التزامها احترام كافة المعتقدات الدينية والفلسفية.
وفي جانب ثالث من القضية، أشار إلى أن الأهم من ذلك هو أن «فرنسا هي المستهدفة، لأنها في الخطوط الأمامية، وحدها أو مع حلفائها، في الحرب ضد الجهاد العالمي». وأوضح أن «هذه هي حالها في مالي والساحل منذ عامين، وفي العراق وعلى الحدود مع سوريا ضد بربرية الدولة الإسلامية، منذ أشهر».
في صحيفة «لو فيغارو»، رأى الكاتب إيفان ريوفول أن هناك حرباً أهلية تهدّد فرنسا. وهو إذ عبّر عن حزنه على القتلى، إلا أنه أعرب عن غضبه من «ازدياد قوة الإسلام في المدن الفرنسية».
«الشمولية القرآنية» هو المصطلح الذي أطلقه الكاتب على ازدياد قوة الإسلام في فرنسا، والتي كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر وراء «مغادرة 7 آلاف فرنسي يهودي فرنسا في عام 2014، الأمر الذي ينذر بالأسوأ»، وفق رأيه، مضيفاً أن «الأسوأ هنا: الذئب دخل إلى باريس».
وانتقل إلى الحديث عن حرب محتملة بناءً على ذلك، فـ«هذا الأربعاء فرنسا كانت في حرب، وربما تكون غداً في حرب أهلية. عدوّها هو الإسلام المتطرف، الإسلام السياسي، الإسلام الجهادي».
كذلك أعربت صحيفة «ليبراسيون» عن غضبها وسخطها لما تعرّضت له مجلة «شارلي إيبدو»، معتبرة أنه باستهداف هذه المجلة، أراد «المنفذون البربريون» أن يسكتوا أفكاراً عدة تتعلق بحرية التعبير وإلغاء الآخر.
«هؤلاء الذين دعموا أو انتقدوا مسار شارلي إيبدو، يدينون معاً (اليوم) الهجوم الذي يستهدف أحد أهم الأصول التي تميّز جمهوريتنا: حرية التعبير التي وجدت نفسها وحيدة في وجه معادي الحرية»، أضافت «ليبراسيون».