خاص بالموقع | 10:23 PMموسكو ــ حبيب فوعاني
لم يبقَ قرار حلف شمال الأطلسي بإجراء مناورات في جورجيا، من السادس من الشهر الجاري إلى الأول من حزيران المقبل، من دون ردّ روسي. ففي منتصف الشهر الماضي، أخرج أسطول البحر الأسود الروسي المرابط في شبه جزيرة القرم الأوكرانية كل سفنه من مراسيها وأرسلها باتجاه المياه الإقليمية الجورجية، بما في ذلك طرّاد القيادة الصاروخي «موسكو»، وأربع سفن إنزال كبرى هي «القيصر كونيكوف» و«يامال» و«ساراتوف» و«نوفوتشيركاسك»، وعلى متنها مشاة البحرية الروسية ومدرعاتهم.
وهذه القوات، هي نفسها التي شاركت في أحداث آب الماضي، وكانت تهمّ بإسقاط نظام الرئيس ميخائيل سآكاشفيلي لو لم يوقفها الرئيس الروسي آنذاك، فلاديمير بوتين، عند مشارف العاصمة الجورجية تبليسي (باعتراف وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير).
ورفضت وزارة الدفاع الروسية اعتبار التحركات الحالية لقواتها استعداداً للقيام بمناورات موازية للأطلسي. إلّا أن الناطق باسم وزارة الخارجية، أندريه نيستيرينكو، اعترف في السادس عشر من الشهر الماضي بأن الجانب الروسي، في ضوء الاستفزازات الجورجية، اتخذ إجراءات «تحذيرية ـــــ استعراضية لتوفير الأمن في إطار مجموعة تدريبات دورية تجري في الوقت الحالي». وبرأيه «فهي نافعة أحياناً عندما تتعامل مع محبي الانتقام».
وفضلاً عن التلويح بمقاطعة اجتماعات مجلس روسيا ـــــ الأطلسي في السابع من أيار، الذي كان من المقرر أن يحضره رئيس الأركان العامة الروسية، نيكولاي ماكاروف، في بروكسل، جرى في الكرملين الخميس الماضي توقيع اتفاقيتين مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لحماية حدودهما من الجانب الروسي. وسرعان ما تمركزت وحدات من قوات حرس الحدود الروسية على حدود الجمهوريتين القوقازيتين الوليدتين.
ويجب القول إن المناورات الغربية، التي تجرى في إطار برنامج «الشراكة من أجل السلام»، وشاركت فيها روسيا سابقاً، لا تهدد موسكو بأي خطر، ولا سيما أنها ستجري من وراء الكومبيوترات والتلفونات، ولن تُستخدم فيها الأسلحة أو المعدات الحربية.
لكن الكرملين يرى أن القيام بمناورات غربية، مهما كان لونها وطعمها، في منطقة جرت فيها عمليات عسكرية، من دون أن تسوى فيها المشكلات السياسية، «أمر غير منطقي». إذ لم يغب عن ذاكرة القيادة الروسية أن مناورات «الرد السريع الأميركية ـــــ الجورجية على أراضي الأخيرة سبقت الهجوم الجورجي على تسخينفالي بشهر واحد فقط».
والقضية من وجهة النظر الروسية تكمن في أن الماكينة البيروقراطية لحلف الأطلسي والمجتمع الأوروبي لم يستوعبا حصيلة زلزال حرب «الأيام الخمسة»، الذي خلط الأوراق من جديد في جنوب القوقاز في آب الماضي، ولا يريدان التسليم بالواقع الجديد على الأرض.
وبالنظر إلى تهور القيادة الجورجية المعلوم وترهلها المتسارع، فإن المناورات الروسية الموازية مدعوة للحؤول دون استقواء تبليسي بالأطلسي من جديد لزعزعة الوضع كله في المنطقة، بهدف احتواء المشكلات الجورجية الداخلية، ولجم المعارضة التي لا تريد العودة إلى منازلها من الشوارع. إذ كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أعلن مطلع الشهر الماضي في مجلس السياسة الخارجية والدفاعية لروسيا، أنه «حتى لو كانت جورجيا عضواً في حلف شمال الأطلسي، فإن روسيا كانت ستتصرف كما تصرفت في آب الماضي».