طرح اختفاء سفينة سويدية قبالة السواحل الأوروبية مجموعة من الأسئلة عن احتمال عودة وضع شواطئ القارة إلى القرون الوسطى، وانتفاء الحماية التي توفّرها حدود «شنغن» البحريّة
بريست ــ بسّام الطيارة
هل وصل قراصنة الصومال إلى شواطئ أوروبا؟ أم أن الأرباح التي جنتها «صناعة القرصنة» فتحت شهية عصابات في شمال أوروبا؟ هل عاد العالم إلى القرون الوسطى التي عرفت تعايشاً بين التجارة عبر البحار والقرصنة؟
أسئلة لم تعد افتراضية بعدما لفّ الغموض مصير سفينة الشحن السويدية «أرتيك سي»، التي انطلقت من مرفأ جاكوبستاد الفنلندي وهي محمّلة بـ٤٧٠٧ أطنان من الخشب، وكانت متوجهة إلى الجزائر لتفريغ حمولتها قبل أن تختفي وتنقطع أخبارها. وتفيد مصادر بحرية في غرب فرنسا أن السفينة، البالغ طولها ١٠٠ متر، تعرّضت لهجوم في الـ٢٤ من الشهر الماضي من قبل مجموعة من الرجال الملثّمين، وهي لا تزال في المياه الإقليمية السويدية. وادّعى القراصنة أنهم من رجال الأمن البحري قبل أن يعتدوا بالضرب على بعض البحارة ويقيّدوهم في قاع المركب.
ويبدو أن الاتصال بين شرطة المرافئ وبعض البحارة على متن السفينة المخطوفة بقيت قائمة طيلة رحلتها في بحر الشمال والمانش حتى مرفأ بريست الفرنسي في ٢٩ تموز، قبل أن تنقطع كل الاتصالات. وتقول الشرطة السويدية إن آخر اتصال حصل في ٣١ تموز، بينما تؤكد إسبانيا أن السفينة المذكورة لم تجتز مضيق جبل طارق.
وقد بررت الشرطة البحرية الفرنسية عدم توقيف السفينة عندما مرّت في مضيق ويسان بـ«عدم وجود إشعار بخطف السفينة أو طلب بحث»، وهو ما يحدث عادة في حالات القرصنة، رغم تواتر أخبار عن تواصل بين سلطات المرافئ وبعض البحارة الرهائن بواسطة الهواتف الخلوية، وهو ما سمح بمعرفة ما جرى على ظهر السفينة يوم هوجمت. إلا أن هذا يطرح أيضاً سؤالاً عن سبب عدم تدخل الشرطة، وخصوصاً بعدما «سكتت الهواتف». وقد دفعت البحرية الروسية بأربع سفن خفر سواحل من البحر الأسود للبحث عن السفينة، فيما تحرك حرس الحدود البحرية في دول أوروبية وأعطيت أوامر إلى السفن الحربية بالتفتيش عن السفينة المفقودة.
وحتى الآن لم يصل أي طلب فدية، كما يحصل في بحر الصومال. وحسب بعض الأوساط البحرية، فإن السفينة، التي تبلغ قيمة حمولتها من الأخشاب ١،١٦ مليون يورو، متوجهة حالياً إلى غرب أفريقيا من دون أي إمكان لتحديد مكانها على وجه الدقة. غير أنه بسبب القيمة المتواضعة للحمولة، فإن البعض يميل إلى احتمال أن يكون هدف القرصنة هو «خطف السفينة لتغيير معالمها واسمها لتحلّ محل سفينة قديمة»، وهو ما يحصل في بعض الأحيان، فتصبح «سفينة شبحاً» موجودة وغير موجودة في آن واحد.
إلا أنها المرة الأولى منذ قرنين التي تشهد فيها الشواطئ الأوروبية عملية قرصنة، كانت حتى قبل أسبوع محصورة بين القرن الأفريقي وممر ماليزيا وسنغافورة المائية. ويقول أحد المسؤولين عن السلامة البحرية إنه «إذا ثبتت عودة القرصنة إلى شمال أوروبا، فإن لهذا انعكاسات كثيرة، لا على خطوط التجارة البحرية الأكثر كثافة في العالم فقط، بل أيضاً على حركة السياحة البحرية بين الشواطئ الأوروبية من البرتغال إلى السويد، حيث هناك سلسلة مرافئ يرتادها ملايين السياح الذين يستعملون قواربهم ويخوتهم ويتنقّلون بها من مرفأ إلى آخر.