تفاهمات يسهل خرقها... وليونة من بيونغ يانغ تبحث عن ثمنحبيب إلياس
مرت العلاقات بين الكوريتين، بعد الحرب الأهلية في شبة الجزيرة، بالعديد من التقلبات بين تقارب وتباعد وحتى تشابك. فقد سعت الكوريتان طويلاً إلى محاولات اندماج، لكنها كانت تنتهي إلى فشل. عُقدت سلسلة من التفاهمات، بدءاً من إعلان 4 حزيران المشترك عام 1972، مروراً باتفاق المبادئ لعام 1992 لنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، وصولاً إلى عام 2000 الذي يعدّ أول انفراج فعلي في العلاقات بين الكوريتين.
فقد شهد عام 2000 أول قمة بين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل ونظيره الجنوبي كيم داي جونغ، أثمرت اتفاق 15 حزيران. وهو أول اتفاق يشهد اعترافاً من جانب إدارة الرئيس كيم داي جونغ بكوريا الشمالية شريكاً للمصالحة والتعاون، ووضع الأسس الأولية نحو إعلان للسلام في شبه الجزيرة الكورية، رغم أن البلدين لا يزالان عمليّاً في حالة حرب.
وقد جرى الاتفاق خلاله على: حل قضية إعادة الوحدة في شبه الجزيرة الكورية بطريقة مستقلة، والعمل باتجاه حل القضايا الإنسانية مثل إعادة توحيد العائلات المنقسمة وإطلاق سراح السجناء السياسيين المعتقلين منذ زمن طويل، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة عبر التعاون بين الكوريتين، وعقد محادثات على مستوى حكومي.
ولكن هذا الانفراج لم يحل دون التصعيد عام 2002، حين وقعت معركة في البحر الأصفر بين سفن حربية من الدولتين، ما أدى إلى مقتل ثلاثين بحّاراً من كوريا الشمالية، إضافةً إلى أربعة من الجنوبية.
مسار العلاقات تواصل في عهد الرئيس روه مو هيون؛ فعلى الرغم من أحداث عام 2006 الذي شهد تجربة صاروخية لكوريا الشمالية، كانت الدعوة إلى عقد قمة كورية ثانية. قمّة
حصلت بين 2 و4 تشرين الأول عام 2007، حين قام الرئيس روه بزيارة تاريخية لبيونغ يانغ.
ولكن بعد تسلّم الرئيس الكوري الجنوبي المحافظ، لي ميونغ باك، الحكم في بداية عام 2008 شهدت العلاقات بين شطري شبه الجزيرة الكورية تطورات سلبية، بعد تخلي حكومته عن التفاهمات التي أبرمها سلفه روه.
وتمثلت أبرز التطورات في انسحاب بيونغ يانغ من المفاوضات السداسية المتعلقة ببرنامجها النووي، وتجربة التفجير النووية الثانية التي نفّذتها في أيار الماضي، ثم إجرائها تجارب صاروخية في تموز، أطلقت تنديدات شديدة اللهجة، وأخيراً المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأميركية والكورية الجنوبية.
إلا أن الأمور عادت فجأةً خلال الشهر الماضي إلى مربّع التهدئة عبر الزيارات المتبادلة بين الطرفين، واستئناف لمّ شمل العائلات، إضافةً إلى الإفراج عن موقوفين كوريين جنوبيين في بيونغ يانغ.
ويرى كثيرون أن زيارة رئيسة مجموعة «هيونداي»، هيون جونغ ـــــ أون، والتقاءها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل الشهر الماضي، والاتفاق على إحياء عدد من المشاريع المعطّلة بين شطري كوريا، كذلك إرسال كيم وفداً لتقديم العزاء بوفاة الرئيس الأسبق كيم داي جونغ (شهد عهده أول قمة كورية مشتركة) في 18 من الشهر الماضي، كانت المحرك الفعلي الذي أدّى إلى جمع الفرقاء.
ويرى خبراء أن تحرك كوريا الشمالية هذا يعكس رغبتها في تحسين صورتها لدى الرأي العام داخل كوريا الجنوبية، في وقت رأى فيه وزير الوحدة الكوري الجنوبي، هيون إين ـــــ تيك، أن التغييرات الأخيرة في سلوك بيونغ يانغ «تكتيكية أكثر من كونها

التغييرات الأخيرة في سلوك بيونغ يانغ «تكتيكية أكثر من كونها إجراءات جوهرية»
إجراءات جوهرية»، مشيراً إلى أن كوريا الشمالية لم تغيّر موقفها بشأن المباحثات السداسية والمسألة النووية.
ويشير محلّلون إلى أن كيم، المعروف بأنه من «الخبراء في التفاوض من خلال استعمال التهديد»، «لا يقدّم شيئاً من دون الحصول على مقابل». ويعتقدون أن الفترة السابقة التي مرت بها كوريا الشمالية من تصعيد كانت بمثابة جس نبض الإدارة الأميركية الجديدة، ومعرفة السبل التي سيستعملها الرئيس الأميركي باراك اوباما وإدارته للتعاطي مع الملف الكوري.
ولا تخفي بيونغ يانغ طموحها إلى الاعتراف بها دولةً نووية، ويريدون من أميركا أن تتعامل معهم على هذا الأساس، وأن يجري التفاوض مباشرةً بين الطرفين، وهذا ما جرى إبلاغه للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خلال زيارته الأخيرة إلى بيونغ يانغ الشهر الماضي. ولكن إظهار حسن النية من جانب كوريا الشمالية له حدوده، وتنتظر أن يقابَل بانفتاح وبخطوات إيجابية من الناحية المقابلة.