أصبح للمتخوّفين من الإسلام ما يوحّدهم. في البدء كان الحجاب، ثمّ أتى النقاب، ليصل رمز الإسلام إلى أحواض السباحة مع المولود الجديد: «البوركيني»

أرنست خوري
شبحٌ ينتاب أوروبا؛ إنه شبح الأزياء الإسلامية. إنها تعود لتفرّق مجدّداً بين الأوروبيّين. فلا تكاد نيران البرقع تنطفئ في فرنسا، حتى تشتعل في الدنمارك وبلجيكا والنروج... جديدها هو «البوركيني»: صيغة توفيقية بين لباس البحر المثير والشهير في آن، «البيكيني»، والبرقع الإسلامي الأشهر في صيف أوروبا. وها هو الضيف الجديد ينضم إلى أشقائه الحجاب والنقاب والبرقع. مجموعة من الألبسة ـــــ الرموز الإسلامية تختلف دول القارة العجوز في كيفية التعاطي معها، وهي الحائرة أبداً في كيفية التعاطي مع ملف اندماج المسلمين في ثقافة وقيم التنوير الأوروبية.
وفي مطلع آب الماضي، سجّلت الدنمارك سابقة تاريخية في القارة، عندما قَبِل قاضٍ في العاصمة كوبنهاغن شهادة امرأة ترتدي النقاب في إحدى الدعاوى القضائية، بينما يمنع القانون الدنماركي ارتداء حتى القبّعة والنظارات الشمسية داخل قاعة المحكمة. سلوك قضائي «انفتاحي» تجاه المسلمين أجّج غضب الكثيرين، وخصوصاً الحزب المحافظ الحاكم الذي يسعى إلى منع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة.
سجال واكبته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية بالتذكير بأشكال التعاطي القانوني للدول الأوروبية مع موضوع الأزياء الإسلامية. فهولندا مثلاً كانت أول دولة في هذه القارة تمنع في عام 2005 ارتداء البرقع تماماً، «لأسباب أمنية»، في معادلة تناجي نظرية اليمين الفاشي الغربي: «البرقع يساوي القنبلة».
منْع بقي بحكم «الأمر الواقع» فقط، بما أنه لم يُبَلور في قانون رغم مساعي النائب الشعبوي اليميني غيرت فيلدرز، المعروف بمعاداته لكل ما يمتّ بصلة إلى الإسلام، لإقرار قانون في هذا الشأن. وفي الممارسة، لا تزال البلديات والسلطات المحلية الهولندية تجد صعوبة كبيرة في منع البرقع قانوناً، حتى إنّ إحدى البلديات خسرت دعوى قضائية في عام 2007 تقدّمت بها امرأة ترتدي البرقع ولم تجد وظيفة بسبب إصرارها على ارتداء زيّها الإسلامي هذا.
أمّا في السويد وإيطاليا، فإنّ ارتداء البرقع محظور «نظرياً» في الأماكن العامة، بينما تتعاطى الشرطة مع هذا الموضوع جرياً على قاعدة أنه «خارج إطار الاحتفالات الشعبية، يحظر على أي شخص الظهور وهو متستّر في الشوارع». وتنفرد بريطانيا في غياب أي نص قانوني يعالج هذه المسألة، لذلك يبقى ارتداء كل أنواع الأزياء الإسلامية مسموحاً تماماً، وهو ما لم يمنع إدارة إحدى المدارس من طرد مدرِّسة في عام 2006، لأنها أرادت ممارسة وظيفتها وهي منقَّبة.
ثمّ جاء الصيف ليضيف مادة سجالية إسلامية إلى أحواض سباحة منتجعات أوروبا هي «البوركيني». لباس بحر «شرعي» اخترعته لبنانية مقيمة في أوستراليا قبل عامين، وأثار أمواجاً، لا من مياه، بل من سجال وكلام وردود. ففيما مُنع نظاماً في بعض منتجعات فرنسا وإيطاليا، سمحت به بعض منتجعات أوسلو بمبرر أنه «ليس هناك سبب تقني يوجب منع البوركيني»، إضافة إلى أنه «شبيه بالزي الذي يرتديه محترفو الغطس».

لباس بحر «شرعي» اخترعته لبنانية مقيمة في أوستراليا وليس معروفاً عربياً بعد

وإزاء المنع في إيطاليا، تضامنت النائبة في مجلس الشيوخ ماغدا نيغري، ومعها مجموعة من زميلاتها من الحزب الديموقراطي المعارض، بالسباحة وهنّ يرتدين «البوركيني»، في تحدٍّ لقرار عمدة بلدية فارالو شمال البلاد، سيسيا جان لوكا بونانو.
وكان بونانو قد علّل حظره بالقول إنّ «رؤية امرأة ملثّمة من شأنه أن يسبّب إزعاجاً للمشاهد، ولا سيما للأطفال، فضلاً عن المشاكل المتعلقة بالصحة العامة». وقد وجد موضوع «البوركيني» طريقه إلى حيّز التجارة والربحية، فباتت بعض المنتجعات السويدية والبريطانية تخصّص أحواض سباحتها لمرتدي «البوركيني». حتى إنه في مدينة «نورث لينكولن ساير» البريطانية، بات هناك شيء اسمه «السباحة المتعددة الثقافات»، ويحدَّد فيها للمسلمات الراغبات في ارتداء زيّهنّ: قميص نصف كم، مع جوارب نسائية تصل إلى تحت الركبتين.
وفي ألمانيا، يمكن لمناهضي «البوركيني» أن يطمئنّوا؛ فقد قررت السلطات البرلينية إجراء «تجربة» في أحواض السباحة التابعة لبلدية العاصمة، لمعرفة ما إذا كان هناك أثر سلبي على المياه، من جرّاء نزول سابحات محجّبات إلى الأحواض. إلا أنّ سابحة واحدة فقط حضرت وهي ترتدي «ملابس البحر الشرعية».
وأكثر ما يلفت النظر في قضية «البوركيني»، هو أنّ هذه الظاهرة، التي تأخذ مداها في منتجعات أوروبا تدريجاً، لا تزال غائبة عن الدول العربية. هكذا، طُردَت نروجية مسلمة، في تموز الماضي، من منتجع فندق مرسى مطروح في مصر، لأنها كانت ترتدي «البوركيني». ولم تجد النروجية سوى سفارة بلادها في القاهرة لتشتكي لديها.