بعد موجة من «الانكسارات» وتفتّت جناحه اليميني المتطرّف وبروز الشقوق في جناح المعتدلين، لم يجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أفضل من إعادة تجربة سنة انتخابه رئيساً واللعب على الهوية الوطنية لشدّ عصب ناخبيه ومحاولة استرداد اليمين المتطرّف
باريس ــ بسّام الطيارة
أعلن وزير الهجرة الفرنسي، إيريك بيسون، الآتي من اليسار والملقّب بـ«الخائن» بسبب انقلابه على سيغولين رويال، فتح «نقاش واسع في شأن الهوية الوطنية»، في خطوة ندّدت بها أحزاب المعارضة ورأت فيها «مناورة انتخابية خطرة» ومحاولة لـ«استرداد أصوات اليمين» عبر العزف على وتر الشوفينية.
وجاء إعلان بيسون على شكل بيان صدر الاثنين عن وزارة الهجرة، يوضح أن هذا النقاش سيبدأ في الثاني من تشرين الثاني ويستمر حتى العاشر من شباط ويغطّي مئات الدوائر في المحافظات في جميع أنحاء فرنسا، وذلك بمشاركة «جمعيات ومدرّسين وطلاب وأولياء طلبة ونقابات ورؤساء مؤسسات ونواب فرنسيين وأوروبيين»، قبل أن تقدّم للوزير «خلاصة عامة».
وشدد الإعلان على أن هذا النقاش سيتناول محورين: «الهوية الوطنية» مع سؤال يبدو بسيطاً إلا أنه يفتح الأبواب واسعة أمام إحداث شرخ في المجتمع الفرنسي، وهو «ماذا يعني أن تكون فرنسياً اليوم؟». أما المحور الثاني، وفيه جواب على سبب طرح هذا النقاش اليوم، فهو «مساهمة الهجرة في الهوية الوطنية».
وقال الوزير بيسون «لا بد، مجدداً، من تأكيد قيم الهوية الوطنية والشعور بالفخر بأن تكون فرنسيّاً»، داعياً إلى قيام طلاب المدارس بإنشاد النشيد الوطني (لا مارسييز) صباح كل يوم في المدارس، وهو كان مطلباً من مطالب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، التي عابت يوماً ما على منتخب كرة القدم، حين حاز الكأس العالمية عام ١٩٩٨، أنه مختلط «فيه مهاجرين أكثر من فرنسيي الأصول، وأنهم لا ينشدون النشيد الوطني».
وجاء أعنف اعتراض على هذا «الاستخدام الرخيص للوطنية» من اليسار، حيث رأى النائب الاشتراكي، فنسان بييون، أن «الطريقة التي طرح فيها النقاش بشأن الهوية الوطنية تؤكد أن فرنسا مريضة»، هي التي «لم تتكلم يوماً عن هوية وطنية». واستطرد بأنه «من الخطورة بمكان فتح هذا النقاش بهذه الطريقة».
كذلك ندّد النائب الاشتراكي جان كريستوف كامباديليس بما سمّاه «مناورة انتخابية»، قبل خمسة أشهر من الانتخابات المحلية. وأضاف أن بيسون «غرق في متاهات سوء إدارة مسألة الهجرة»، في إشارة إلى طرد ثلاثة أفغان أظهرت استطلاعات أن أكثرية الفرنسيين يعارضون طردهم. كذلك ندّد حزب الخضر المتنامية قوته بالدعوة إلى هذا النقاش، معتبراً أن الحكومة لا تزال تحنّ إلى «الخطاب القومي».
حتى حزب الجبهة الوطنية رأى في هذه الدعوة، رغم أنها تذهب في اتجاه طروحاته الشوفينية، «مناورة انتخابية» تهدف إلى الاستحواذ على أصواته، بعدما «كشفت الممارسة اليومية فشل الساركوزية».
وتشير كل استطلاعات الرأي إلى أن ٥٦ في المئة من الفرنسيين زالت ثقتهم بسياسات ساركوزي، فجاء إعلان ورشة النقاش هذه متزامناً مع إعلان ارتفاع أعداد العاطلين من العمل، وهو ما بات «روتينياً» في نهاية كل شهر، حيث وصل في نهاية أيلول إلى ٣ ملايين و٧٤٥ ألف عاطل، أي بزيادة قدرها ٢٨ في المئة سنوياً. ومن هنا أتت «محاولة قلب التيار». أصوات كثيرة بدأت حملة التنديد ضد «فتح هذا الملف الخطر». ورأى المؤرخ باتريك ويل، صاحب كتاب ذائع الصيت يحمل عنوان «تاريخ الجنسية الفرنسية منذ الثورة»، أنه « غير مطلوب من السلطة السياسية أن تحدد ماذا يعني أن تكون فرنسياً»، مضيفاً «ليس هناك طريقة واحدة كي تكون فرنسياً»، ولكن يبدو أن هناك طريقة واحدة لاسترداد الشعبية، وهي شحذ الشوفينية.