لوحات نادرة تتوّجها «الموناليزا»... وآثار شاهدة على نهب الحملات الفرنسيّةباريس ــ حسام كنفاني
أينما تولِّ وجهك في باريس، تجد معالم فنيّة في انتظارك. في كل شارع أو ناصية لا بد من أن تصطدم بمنحوتة أثرية من عصر الممالك الأوروبية لتتوقف عندها، أو كنيسة قديمة كانت شاهداً على عصور خلت، على غرار كنيسة «ساكري كور» في ساحة مونمارت المشرفة على العاصمة الفرنسية، التي كانت مكاناً لمدافع الثورة الفرنسية قبل أن يتحوّل مكانها إلى كنيسة لتحريم الاقتتال الداخلي.
كذلك فإن للجسور، التي تربط البر الباريسي بالجزر الثلاث في السين، قصصاً تاريخية، ولا سيما أن بعضها قد صُنع من المدافع التي استخدمها نابوليون في حروبه الكثيرة. كذلك لا يمكن تفويت الأعمدة المنتشرة في بعض الساحات الباريسية، أو «مسلّة كليوبترا» الفرعونيّة، التي شيدها رمسيس الثاني أمام معبد الأقصر عام 1280 قبل الميلاد، المسروقة من مصر والمنصوبة في ساحة الكونكورد.
ولا يمكن نسيان ساحة «أنفاليد»، التي خصص الفرنسيّون قصراً فيها لتكريم قادتهم التاريخيين. قصر تاريخي محاط بخندق بعرض عشرة أمتار، كان يخصص للحماية من الغزاة، تحوّل إلى مقر لأضرحة القادة الفرنسيين الذين أسهموا في كتابة تاريخها. هنا جنرال أسهم في التحرير من الاحتلال النازي، وهناك قادة عسكريون ربحوا معارك في فيتنام. وعلى هذا الجدار أسماء الجنود القتلى في معارك ما وراء البحار، وخصوصاً إبان الاستعمار للجزائر ومعارك التحرير. وفي وسط القصر ينتصب ضريح خشبي بعلو 6 أمتار يضم جثمان نابوليون، الذي يُعَدّ باني النهضة الفرنسيّة.
دليل إلكتروني يعرّف الزائر إلى أكثر من عشرة آلاف قطعة معروضة
معالم كثيرة تحوّل باريس إلى متحف كبير، نواته متوزعة على امتداد المدينة. لكن يبقى «اللوفر» تحفة هذا المتحف. ولا تكتمل زيارة باريس من دون المرور بهذا المَعْلَم، الذي يقع على الضفة الشمالية لنهر السين.
مبنى ضخم هو في الأساس جزء من التاريخ، ولا سيما أنه كان عبارة عن قلعة بناها فيليب أوغوست عام 1190، وتحوّل مع مرّ الزمن إلى مقر إقامة لملوك فرنسا، قبل أن تأتي الثورة الفرنسية وتقرّر تحويله إلى متحف افتُتح للمرة الأولى في في 10 آب 1793.
أول ما يستقبلك لدى الدخول إلى القلعة المتحف هو الأهرام الزجاجية التي باتت علامة فارقة في اللوفر، وأثارت جدلاً كبيراً لدى نصبها في عام 1989، وخصوصاً أنها لا تنسجم مع روحية المكان التاريخية وهندسة القلعة الأثرية. إلا أنها مع الوقت باتت من المعالم المهمة في زيارة المتحف، وأخذ الصور إلى جانبها يشغل السياح.
للدخول إلى قاعات اللوفر، لا بد من الوقوف في صف طويل للحصول على تذاكر، لكن حاملي بطاقات الاعتماد المصرفية الفرنسية، يمكنهم تجنّب عناء الانتظار واللجوء إلى إحدى الماكينات الموزعة في باحة المتحف الرئيسة، وقطع التذكرة إلكترونياً في عملية لا تستغرق أكثر من دقيقة.
مع ذلك، الانتظار لا يزعج أحداً. صف من البشر المتعددي اللغات والأعراق الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم ينتظرون الحصول على إذن الدخول إلى أهم متاحف العالم. لا تذمر ولا مزاحمة، مجرد وقوف هادئ إلى حين الوصول إلى موظفة الشباك ودفع 14 يورو (20 دولاراً تقريباً) بدل التجوال في أقسام المتحف المتعدّدة.
ولأن الزيارة تحتاج إلى مجموعة من الأدلّاء الأثريين والفنيين لشرح كل جناح من الأجنحة المتنوعة، يمكن الزائر الاستعانة بالدليل الإلكتروني، وهو عبارة عن جهاز يستأجر قبل الدخول إلى صالات العرض ويحوي معلومات عن القطع العشرة آلاف المعروضة، إضافة إلى أضعاف هذا الرقم من التحف المحفوظة في مخازن اللوفر. العملية سهلة، فكل قطعة تحمل رقماً، وما على المهتم إلا إدخال الرقم في الجهاز لتتدفق المعلومات إلى مسامعه باللغة التي يختارها.
البداية في قاعة الفن الإيطالي، حيت تتجمّع اللوحات النادرة لعباقرة الرسامين العالميين. قاعة هي الأكبر في المتحف، وقطعها مشياً على الأقدام مع التوقف لدقيقة أو أكثر أمام بعض اللوحات، يحتاج إلى أكثر من ساعة. مسيرة طويلة من التلفّت يميناً ويساراً، يستوقفك خلالها مشهد رسامين حصلوا على أذونات خاصة من إدارة المتحف لنسخ بعض اللوحات النادرة.
زيارة قاعة الرسم الإيطالي لا تكتمل من دون الوقوف في حضرة «الموناليزا»، رائعة ليوناردو دافينتشي، التي عادة ما تكون الجاذب الأساسي لمئات الزائرين إلى قاعة الفن الإيطالي. جذب يتجلّى في الزحام الخانق أمام اللوحة المحفوظة خلف ساتر زجاجي، إضافة إلى حاجز يمنع الاقتراب منها لأكثر من 4 أمتار. زحام ومسافة تمنع في الأساس الاستمتاع بمشاهدة هذه اللوحة الأسطورة أو تأمل سرّ أهميتها، الذي لا تتفق الآراء حوله.
بعد الرسم، يكون الانتقال إلى آثار العالم، الفرعونية والفينيقية والآشورية والكلدانية والأوقيانية وغيرها، التي تمثّل شاهداً على عمليات النهب المنظم لحملات الإمبراطورية الفرنسية في أصقاع الأرض. نهب محفوظ بعناية تنتهي معه الجولة السريعة في متحف يحتاج إلى شهر لإتمام التنقل في أرجائه كافة.


يوم صحافي في باريس: المعلومة على طاولة غداءالمحطة الأولى في رحلة «الكي دورسيه» تبدأ في المقهى المقابل للوزارة، حيث يبدأ مراسلو الصحف العربية والأجنبية بالتجمّع تمهيداً للدخول الجماعي إلى مقر المؤتمر الصحافي. المقهى فرصة للتداول في القضايا العامة والخاصة والعنوان الأساس للمؤتمر والأسئلة التي يمكن أن تطرح.
الدخول إلى الوزارة بالنسبة إلى صحافي زائر ليس بالأمر الصعب، ما دام لدى مرافقك من يعرفه في الداخل من المسؤولين الإعلاميين. وبمجرد الإبلاغ عن الزيارة ما عليك إلا أن تضع جواز سفرك رهينة لدى مكتب الاستعلامات، والحصول في المقابل على بطاقة زيارة تخوّل حضور المؤتمر الصحافي والتجوّل بين مكاتب الوزارة.
مع الدخول إلى قاعة المؤتمر، يتوزّع الصحافيون على المقاعد. كل يعرف مكانه بحسب العادة. مكان أصبح بحكم العرف محجوزاً لصاحبه. وحتى المتحدثون الرسميون ومسؤولو وزارة الخارجيّة يستعينون بالمكان لمعرفة هويّة الصحافي وجهة عمله.
وبسبب غياب كوشنير والمتحدث الرسمي برنار فاليرو في نيويورك حينها، تولت مساعدة المتحدث، كريستين فاج، مهام المؤتمر الصحافي، محاطة بمديري قسم الشرق الأوسط وقسم الإعلام في الوزارة. المؤتمر يبدأ ببيان عن هندوراس ولجوء الرئيس المخلوع مانويل زيلايا إلى سفارة البرازيل وموقف فرنسا من ذلك. ثم تنتقل إلى أسئلة الصحافيين. لا شيء يترك للمصادفات في المؤتمر الصحافي، ولكل سؤال نموذج إجابة جاهز تلجأ إليه مساعدة المتحدث للرد. وحين تُسال عن لبنان أو فلسطين أو إيران، يعطيها أحد الجالسين بجانبها ورقة تحمل الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية.
نهاية المؤتمر الصحافي لا تعني الحصول على المعلومة، بل هي مجرد القشرة السطحية لعمل المراسلين الذين يتوزعون على المسؤولين في الوزارة للحصول على تسريبة من دردشة جانبية. لكن التسريبة الأساسية تتم على طاولة غداء في المطعم المجاور للوزارة، حيث يتجمّع الدبلوماسيون الحاليون والسابقون لتناول الوجبة اليومية.
الحديث يبدأ عامّاً طبيعيّاً لا أثر للعمل فيه، ثم ينتقل إلى الشؤون السياسية وأحوالها بالعموميّات. وعلى حين غرّة تقفز المعلومة مصحوبة برشفة من كأس النبيذ: «هل تعلم أننا ننوي تعيين سفير جديد في لبنان». المعلومة تُطلق عادية ومن دون مقدمات، وتكرّ بعدها المعطيات عن السفير الجديد وتاريخه وخبراته والغاية من تعيينه.
ينتهي الغداء وتأتي بعده الفاتورة الدسمة، لكن الخبر يكون قد اكتمل وبات جاهزاً للإرسال إلى مطبخ الجريدة وإعداده للنشر.