بدأت رياح الحرب تلوح في الأفق الكولومبي الفنزويلي، فهل هي حرب جيوستراتيجية بين البلدين، أم مناورات سياسية داخلية لرئيسين يبحثان عن وسائل استمرارهما في السلطة؟
بول الأشقر
لا تزال حلقات المسلسل الحدودي بين كولومبيا وفنزويلا مستمرة، إلّا أنها أصبحت أكثر تشويقاً، إذ سيطر الذعر على قاطني طرفي الحدود مع نقل البلدين لجنود إلى المنطقة. وأعلن قائد الجيش الكولومبي، أوسكار غونزاليس، قبل أيام، أن كولومبيا فعَّلت ستّ فرق طيران، وأنها قررت أن تمركز اثنتَين منها على الحدود مع فنزويلا، حيث قررت أيضاً استبدال نقطة تفتيش للشرطة بقاعدة مشتركة للشرطة والجيش.
وفي اليوم التالي، أتى جواب الرئيس هوغو تشافيز في برنامجه الإذاعي الأسبوعي نهار الأحد: «إن البورجوازية الكولومبية أخذت تخرق حدودنا بطائرات من دون طيّار... وإذا كنتم تعتقدون أننا نخافكم، أو أننا عزّل، أو أننا سنبقى مكتوفي الأيدي فستندمون»، قبل أن يعلن أنه أعطى الأمر بتدمير تلك الطائرات. وختم تشافيز متوجّهاً إلى حكومة كولومبيا «لا تسمحوا للإمبريالية بأن تستخدمكم... ليس لدينا أي مخطط ضد كولومبيا، ولكن القرار (الحرب) ليس بأيدينا».
ولم يتأخر الجواب الكولومبي بواسطة وزير الدفاع غبريال سيلفا، الذي صرح أول من أمس «إننا نستعدّ لتحاشي اعتداء علينا... ما تنفقه فنزويلا من مليارات الدولارات على قواتها المسلحة بدلاً من إنفاقه على قوات أمنها الداخلية يدل على أنها تنوي نشر قواتها خارج حدودها... وهناك خطر اعتداء علينا من جانب جار (من دون تسمية فنزويلا) لأول مرة منذ الحرب مع البيرو (ثلاثينات القرن الماضي)».
تجدر الإشارة إلى أنه منذ شهر تموز وإعلان التفاوض بين الولايات المتحدة وكولومبيا بشأن استعمال جنود الأولى سبع قواعد عسكرية على أراضي الأخيرة، وخصوصاً بعد توقيع المعاهدة في نهاية شهر تشرين الأول، والوضع يتدهور تدريجاً على الحدود بين كولومبيا وفنزويلا، ولم يمرّ يوم من دون أن يتبادل مسؤولو البلدين التصاريح العدوانية بينهما. كل من البلدين يتهم الآخر بإعداد مخططات للاعتداء العسكري، وينذره بأنه جاهز للرد. صحيح أن الوضع حذر على الحدود بين البلدين منذ أمد طويل ـــــ وكذلك على الحدود مع الإكوادور ـــــ بسبب مفاعيل النزاع المسلح الكولومبي المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، وخصوصاً أن الخطط العسكرية الكولومبية عملت على إبعاد مجموعات

تشافيز: إذا كنتم تعتقدون أننا نخافكم أو أننا سنبقى مكتوفي الأيدي فستندمون

الكفاح المسلح باتجاه المناطق الحدودية، وأيضاً بسبب خرائط طرق المخدرات التي تختلط بالحدود، والتي تلجأ إليها المافيات المرتبطة بمجموعات الباراميليتاريس، أي الميليشيات اليمينية، وأحياناً بمجموعات الكفاح المسلّح.
إلا أن التوتر هذه المرة يعاد إلى المدى الجيوستراتيجي الذي وفّرته «معاهدة القواعد»، مع أن عدداً من المحللين يفضلون إيجاد ما يحركه ويغذيه في الوضع الداخلي في كل بلد، إذ إن العام المقبل حافل باستحقاقات سياسية قد تؤثر في وضعية الرئيسين.
من الطرف الكولومبي، ينتظر الرئيس ألفارو أوريبي قرار المجلس الدستوري ليعرف ما إذا كان يحق له أو لا الترشح لولاية ثالثة. ويرى في سياسة التصعيد أفضل استراتيجية انتظار. أما الرئيس تشافيز، فهو عشية سنة انتخابات نيابية تميزت بتدهور الوضع الاقتصادي والأمني، وتدنّي شعبيته وقد تؤدي إلى توزيع جديد لميزان القوى الداخلي لم يعد معتاداً إيّاه، منذ أن قاطعت المعارضة الانتخابات التشريعية الأخيرة، فاتحة المجال لسيطرة تشافيزية مطلقة على كل مؤسسات الدولة.