وحّدت معاهدة القواعد العسكرية بين واشنطن وبوغوتا أكبر مجموعات حرب العصابات الكولومبية، الـ«فارك» و«جيش التحرير الوطني»، التي أعلنت وقف الحرب في ما بينها وتوحيد جهودها ضدّ الإمبريالية والرئيس مانويل أوريبي
بول الأشقر
«تحولت كولومبيا إلى قاعدة عسكرية كبيرة بتصرف الإمبريالية وتحوّل (الرئيس مانويل) أوريبي إلى أبشع منفّذ لمخططاتها». هكذا أعلنت قيادة المجموعتين المسلحتين، «فارك» و«جيش التحرير الوطني»، الاتفاق بينهما قبل أن تطلب من أعضائها (14000 شخص) وقف كل المواجهات العسكرية بينهما، وتوحيد الجهود ضدّ العدو المشترك.
ويأتي هذا التطور في ظل توتر العلاقات بين فنزويلا من جهة وكولومبيا والولايات المتحدة من جهة ثانية، على خلفية المعاهدة التي تجيز للقوات الأميركية استعمال سبع قواعد كولومبية لـ«محاربة الإرهاب والمخدرات».
وقلّل النظام الكولومبي من أهمية الحدث الفريد منذ التسعينيات. وتوزعت ردود فعله بين تقويم ميداني لقائد القوات العسكرية، فريدي باديللا، وصف فيه التحالف بالمستحيل «لأنهما يتنازعان السيطرة على موارد المخدرات»، وبين تعليق سياسي لوزير الدفاع، غبريال سيلفا، رأى في التحالف «دليل ضعف»، قبل أن يطالب فنزويلا باعتقال وتسليم قيادات التنظيمين الموجودين على أراضيها.
من جهته، كان منسق منظمة «قوس قزح» غير الحكومية، التي تتابع مسائل النزاع المسلح، أريال أفيلا، أكثر حذراً في تعليقه على الاتفاق، قائلاً إن «طرق المخدرات تسيطر عليها بالفعل «الباراميليتاريس» (ميليشيات) والتقارب ممكن ونسمع شائعات عنه منذ أشهر، أما إذا تحول واقعاً، فسيجعل المجموعتين تسيطران على 8 مناطق من البلد، بينها مناطق استراتيجية مثل الحدود مع فنزويلا وساحل المحيط الهادئ».
وكانت «قوس قزح» قد نشرت أخيراً أرقاماً تدل على أن مفاعيل «الأمن الديموقراطي» (خطط أوريبي الأمنية) بدأت تزول بعد عودة «الباراميليتاريس» لتكون المسؤولة الأولى عن أعمال العنف خلال العام الجاري.
وقد تعايش التنظيمان، اللذان تأسسا تقريباً في حقبة الستينيات، «فارك» بصفة الذراع المسلحة للحزب الشيوعي الكولومبي و«جيش التحرير» بصفة تشكيل «كاستروي» يعبّر عن حساسية يسارية مسيحية، حتى الثمانينيات حيث نشبت حرب مفتوحة بينهما لم تتراجع إلا بعد نمو ظاهرة «الباراميليتاريس» في التسعينيات.
واستمر الوضع هادئاً بينهما حتى أيلول 2005 عندما قررت قيادة «جيش التحرير»، خارقة اتفاق يقضي بعدم التفاوض الواحد دون الآخر، فتح مفاوضات مع النظام بتشجيع من كوبا، بعد نصف عقد من التقهقر العسكري والاقتصادي. واستمرت المفاوضات حتى أنهاها أوريبي هذا العام من دون أي نتيجة، بعدما أشعلت حرب ضروس بين التنظيمين دامت أربع سنوات وأوقعت مئات من القتلى وهجرت الآلاف وحوّلت «جيش التحرير» إلى تشكيل متراجع عسكرياً يدافع عن آخر معاقله معتمداً أحياناً على دعم الجيش اللوجستي. إلا أن تغيير الظروف مجدداً، وخصوصاً توقيع «تفاق القواعد» في نهاية تشرين الأول مثّلتا الأساس الذي نشأ عليه هذا الائتلاف القديم ـــــ الجديد.
وقريباً تنتهي ولاية أوريبي الثانية، والسلام ليس في الأفق في كولومبيا. وأوريبي الذي ينتظر قرار المجلس الدستوري بشأن حقه في الترشح لولاية ثالثة ليس مهتماً به في الوقت الحاضر، وهو يرى أن تشدّده الرافض لأي نوع من التفاوض هو مفتاح شعبيته العالية وأهم رأسماله في العام المقبل.