مع فتح أرشيف جهاز الاستخبارات الألمانية الشرقية «شتازي»، برزت أزمة جديدة في المشهد السياسي الألماني، لعلّها شبيهة بملاحقة عملاء النازية
معمر عطوي
منذ أسابيع اهتمت الصحافة الألمانية بما عرُف بـ«عقدة شتازي»، في ظل الكشف عما بقي من أرشيف الاستخبارات التابعة لجمهورية ألمانيا الديموقراطية (DDR)، وخصوصاً بعد اكتشاف أن أحد أعضاء البرلمان المحلي في ولاية براندنبورغ (الشرقية سابقاً) كان عميلاً لجهاز «فوج الحراس ـــــ فيلكس دزيرزينسكي»، الذي سمّي بهذا الاسم تيمّناً بمؤسس الشرطة السرية السوفياتية.
ولم يكن النائب ميخائيل إيغيديوس لوثهاردت، ممثل حزب اليسار في البرلمان، الشخصية الأولى ولا الأخيرة التي عملت مع شتازي، ولا سيما في حزب اليسار المتحالف مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي في حكومة ائتلافية محلية في ولاية براندنبورغ، المحاذية للعاصمة برلين. فقد كشفت التحقيقات والاعترافات وجود أربعة نواب ـــــ على الأقل ـــــ في الحزب، كانوا على علاقة بجهاز الاستخبارات، ولا سيما أن الحزب اليساري هو وريث الحزب الحاكم «SED» في ألمانيا الشرقية (1949-1989).
المفارقة أن رئيسة كتلة اليسار في برلمان براندنبورغ، كريستين قيصر، عملت متعاونةً (موظفة غير رسمية) مع «شتازي». لكن النائبة اليسارية بدت غير راضية عن تصرف لوثهاردت، في ما يتعلق بإخفاء هويته السابقة، فاعترفت بأن هذا الأمر خلق جواً من انعدام الثقة تجاه كتلتها، حسبما نقلت صحيفة «برلينر مورغن بوست» في 4 كانون الأول الجاري. لكن قيصر انتقدت أيضاً «حملة الكشف عن شتازي» الدائرة في الإعلام، معتبرة أنها تلوّث سمعة الديموقراطية.
في أي حال، خلقت «عقدة شتازي» بلبلة واسعة على الساحة السياسية الألمانية. بلبلة شاركت في نسج خيوطها كل الأحزاب الفاعلة. إذ أعلن رئيس حكومة الولاية (الاشتراكي)، ماثياز بلاتسيك، أن هذه القضية أشعرته بـ«الغش والخداع»، حسبما نقلت عنه صحيفة «برلينر مورغن بوست». وسمّى بلاتسيك صراحة عضوي اليسار، غيرد ريديغر هوفمان وريناتي أدولف، على أنهما أخفيا قضية انتماء لوثهاردت إلى شتازي، معتبراً أن هذا الأمر ألحق ضرراً بالتحالف الحكومي (الأحمر ـــــ الأحمر).
وقال بلاتسيك «ينبغي علينا أن نعترف. وأنا أيضاً شخصياً ينبغي أن أعترف بأننا أخطأنا»، لجهة المساءلة عن مرشحي الانتخابات، مثيراً مسألة «مشاعر ضحايا ممارسات الحزب الشيوعي».
أمّا صحيفة «شبيغل أون لاين» فذكرت في عددها الصادر في الثاني من الشهر الجاري أن إزاحة الغطاء عن لوثهاردت، هي امتداد لاكتشاف عملاء سابقين آخرين من حزب اليسار، الذي يشهد «تنامياً يوماً بعد يوم». وأشارت إلى أن قضية لوثهاردت هي «السقوط السابع في كتلة اليسار»، ولا سيما بعد اكتشاف ستة عملاء من قبل.
الأزمة تولّدت من أن لوثهاردت لم يكن معروفاً بأنه عضو في شتازي، حسبما يوضح مسؤول حزب اليسار في الولاية، توماس نورد. بيد أن اللافت هو أن العميل السابق، ترشّح إلى انتخابات الولاية هذا العام، وحصل على نسبة 31.4 في المئة من الأصوات (11847 صوتاً). وهو متحدث رسمي باسم حزب اليسار للشؤون الزراعية. ففي سيرته الشخصية، ذكر لوثهاردت أنه حين كان في 18 من عمره، انتسب الى الحزب الشيوعي «انطلاقاً من قناعة تامة بالاشتراكية الإنسانية»، وتحدّث عن انضمامه إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، من دون أن يتطرق إلى عمله مع الاستخبارات.
لقد انتمى المهندس الزراعي إلى «فوج الحراس» بين تشرين الأول عام 1977 وتشرين الأول عام1980، حسبما أوضح ملفه في «دائرة بيرثلر»، في إشارة الى مديرة «هيئة وثائق شتازي»، ميريان بيرثلر. وسط هذه المعمعة، وجد الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ضالّته للانقضاض على خصومه، فطالب بلاتسيك بإنهاء التحالف مع اليسار، فيما طالب الحزب الديموقراطي الحر (FDP) بانتخابات جديدة من أجل إخراج كل عناصر شتازي من البرلمان. ودفع الاتحاد المسيحي نحو 30 فتىً من شبيبته في بوتسدام (عاصمة الولاية)، للتظاهر ضد «عقدة ـــــ شتازي» و«التحالف الأحمر ـــــ الأحمر»، متّهمين الحزب الاشتراكي بالخيانة. وحملت إحدى اللافتات عبارة: «شتازي اخرج».
وأبلغت رئيسة التكتل المسيحي، صحيفة «برلينر مورغن بوست»، أن «وجود عناصر سابقة من «شتازي» في التحالف الحكومي يضرّ البلد كثيراً».
تجدر الإشارة إلى أنه خلال الأسبوعين الأخيرين، تم الكشف عن أربعة عناصر سابقة في كتلة اليسار، عملت مع «شتازي»، فيما كان ثلاثة من الكتلة، جاهروا بعملهم مع الاستخبارات «الشرقية».