• احتُلّ العراق لسببين: النفط وإسرائيل• أضرب أوباما بالحذاء إذا لم ينسحب
• انتصرنا في حرب تموز 2006

لم يسترح منتظر الزيدي بعد. انشغالاته كثيرة؛ من رحلات العلاج في سويسرا إلى اهتمامه بأول أيام مؤسسته الخيرية «مؤسسة الزيدي»، وجد الوقت لزيارة باريس، حيث أعطى «الأخبار» هذه المقابلة

أجرى الحوار: بسّام الطيارة
«عندما استخدمت هذه الطريقة (رمي فردَتَي حذائه على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش)، كان ذلك ضد الاحتلال، لا ضد مواطن عراقي». عبارة ردّدها منتظر الزيدي لكل صحافي اقترب منه بعد مؤتمره الصحافي في باريس، بدعوة من نادي الصحافة العربية، الذي شهد «حادث تكرار عكسياً» عندما رمى شخص، قدّم نفسه على أنه صحافي، حذاءه بوجهه، متهماً إيّاه بالولاء للديكتاتورية.
تجنّب الزيدي الحذاء، ولكنه لم يستطع أن يتجنّب الأسئلة حول ردّ فعله على هذا.
كان لـ «الأخبار» لقاء خاص معه، حدّثها فيه عن فترة سجنه ومعاناته في السجن، وحدّثها كثيراً عن «مؤسسة الزيدي» التي أسّسها، والتي أسف لأن الهرج والمرج الذي تخلّل مؤتمره الصحافي الباريسي، أبعد الحديث عنها. كما كشف أن من أهداف زيارته الفرنسية، هو الإعداد لإصدار كتاب عن «قصته والاحتلال».
لدى الزيدي الكثير ليقوله عن السجن، ولكنه يبدأ بالشعر: «صبّورتي جدار سجني ودمي المداد… وأنا المحبوس في حبّك في حزنك في أوهام فرحك يا وطن الحداد». بيت من قصيدة كتبها على باب الزنزانة. بماذا كتبتها؟ «كانوا يعطوننا مسحوق غسيل فكنت أبلّله، وعندما ينشف أستعمله مثل الطبشورة».
ويكشف الزيدي أن معاملة معظم الضباط له في السجن «كانت طيبة وتحمل الكثير من الاحترام»، قبل أن يضيف: «قلة كانوا يعاملونني بقسوة، وجميع هؤلاء هم من أقارب رئيس الحكومة نوري المالكي وجماعته».
وماذا كنت تفعل في السجن بعد توقف التعذيب؟ «كان لدى الكثيرين نوع من الاحترام لما فعلته تجاه الاحتلال، لذا كنت أحلّ مشاكل المسجونين!» وهو ما يؤكّد، بحسب قول الزيدي، أن «عدداً كبيراً من العراقيين يؤيدون ما
فعلته».
قيل له إن عائلته تتعرض للتعذيب لأن حذاءه أصاب المالكي، فاعتذر إن كان ذلك صحيحاً
تستطرد وتسأله لماذا بقي مدة طويلة قبل أن يُسمح له بلقاء أفراد عائلته؟ يتردد قليلاً قبل أن يجيب، «لأن وجهي كان منتفخاً». تشعر بأنه لا بدّ من سؤاله عما إذا كان قد بعث برسالة اعتذار فعلاً إلى المالكي؟ ينفي الأمر، معترفاً بأنه «وقع في الفخ» عندما قيل له إن عائلته قيد الاعتقال، وتتعرض للتعذيب، «لأن إحدى فردَتَي الحذاء قد أصابت المالكي». أما الرسالة التي يقول الزيدي إنه أرسلها، فليست تعبيراً عن توبة، بل اعتذار إذا كان صحيحاً أنّ المالكي أُصيب، لأنه قصد فقط «الاحتلال».
يختصر الزيدي «أسباب احتلال العراق» بعاملين أساسيّين: «النفط وإسرائيل». ولكنه، عندما يتحدث عن الاحتلال، يغوص دائماً في المقارنات التاريخية: «كل الشعوب حاربت الاحتلال»، ويخصّ بالذكر فرنسا «التي لم تقدم وروداً إلى الغزاة». ويشدّد على أنّ «دولاً كثيرة سقطت في فخ الأسلحة المحرّمة» التي قيل إن العراق يملكها، ثم عمدت إلى سحب جنودها بعدما «اكتشفت زيف ادعاءات بوش».
ولا يتردّد الزيدي في مطالبة هذه الدول بـ «تعويض العراق» ومحاكمة «مجرم الحرب بوش». «هل ترمي حذاءك بوجه الرئيس باراك أوباما إذا لم يسحب جنوده؟»، سؤال سمعه كثيراً منتظر الزيدي، ولكنه لا يتردد في الإجابة سريعاً «نعم، أي شخص يحتل بلادي، أيّاً كان». وما رأيك في الاتفاقيات التي وقّعتها الحكومة العراقية مع واشنطن؟ بعد برهة، يهز رأسه ليقول «المخيف في هذه الاتفاقيات أن لا شيء فيها مخيف». ويضيف «إلّا أنها قابلة للتعديل، أي يمكن إجراء تعديلات عليها من دون علمنا بموافقة الطرفين. وهنا يكمن الخطر».
هل تعود إلى العراق؟ «رغم كل شيء، سوف أعود إلى بلدي وأعيش بين أهلي، سأعود لإطلاق مؤسسة خيرية تُعنى بإغاثة ضحايا الاحتلال». والصحافة؟ «أنا صحافي، وسوف أظل صحافياً». والمساعدات التي قيل إنّك حصلت عليها؟ يضحك الزيدي كثيراً، وكأنه نسي آلام ظهره، ويجزم أنه لم يحصل على أيٍّ ممّا قيل إنه حصل عليه، ولكنه يرحّب بهذه المساعدات بقوله «فليدفعوا ما يشاؤون لمؤسسة الزيدي».
وهنا يكشف أنه «منع أهله من تلقّي أيّ مساعدة مادية»، رغم وصول «العديد من عروض الزواج، بعضها مصحوب بكثير من المال». ويضحك مرة أخرى ويقول «فليعطوا المال للمؤسسة الخيرية». وماذا عن الزواج؟ ينظر الزيدي في الفراغ، ويرمي بصره بعيداً ويهز برأسه: لا جواب.
وعن رحلات العلاج في سويسرا، يفصّل في الحديث عن علاج أسنانه التي كُسرت بسبب التعذيب، «ومعدتي وكبدي وعضلات ظهري التي مُزِّقَت من الضرب بقضبان الحديد والكراسي… فالضرب كان يومياً». قيل إنه دُسّ لك سائل خاص خلال اعتقالك؟ «لقد سحبوا مني دم، في الواقع لا أعرف هل دسوا شيئاً». يتنهّد قليلاً ويتابع: «قال لي الأطباء في سويسرا إنّ مفعول ما يمكن أن يكون مدسوساً لي، سيظهر بعد ستة أشهر». يبتسم ويعلّق: «فلننتظر». أما عن مصاريف تنقّلاته وعلاجه، فلا يتردد في الإفصاح عن أنه استدان «وساعدني بعض الأصدقاء».
وهل ننهي الحديث من دون التطرق إلى ما حصل لك في المؤتمر عندما تعرضت لرشقة حذاء؟ يبتسم منتظر، ويرى أن هذا أفضل برهان على أن «الاحتلال يلاحقني أينما حللت». ويضيف إن المدعو سيف الخياط «كان سابقاً في الحزب الشيوعي حين كنت أنا في اتحاد الطلبة»، قبل أن يعيد اتهام الاحتلال بأنه «يريد إسقاطي إعلامياً وسياسياً واجتماعياً». وأشار إلى أنه سبق لسيف الخياط (الذي رشقه بحذائه)، الذي كان قد ظهر على القناة الفرنسية، وهو يشنق نفسه أمام الرئيس جلال الطالباني حين زار باريس أخيراً، أن اعترض مسيرته الصحافية سابقاً حين «سرق له تحقيقاً صحافياً» عن رفات الزعيم عبد الكريم قاسم عام ٢٠٠٣.
عندما خرجتَ من العراق، أتيتَ إلى لبنان. لماذا لبنان؟ يتنهّد الزيدي وتنفرج أساريره: «أحب لبنان… أحب كل الدول العربية، ولكن لبنان شيء خاص». في هذه اللحظة، وبصدفة عجيبة، تقاطعنا امرأة لبنانية مارة أمام المطعم مع زوجها، وقد عرفت الزيدي: «حضرتك هو الشخص…؟»، هزّ منتظر الزيدي برأسه، فتابعت تقول له بنبرة قوية لا تردُّد فيها: «كلنا معك، لقد أعدت إلينا بعض كرامتنا». تنهّدت قبل أن تتابع «إن شاء الله نصل إلى يوم يتوقف فيه الغرباء عن التدخل بشؤوننا. شكراً لك».
نعود إلى لبنان؟ يرى أن هذا البلد «مثل صبيّة تضطجع على رمال المتوسط». ويضيف: «من يستطيع أن لا يحبّ لبنان وبيروت… وخاصةً بيروت؟». ما رأيك في حرب تموز ٢٠٠٦؟ «لقد انتصرنا». وفيما يضع قبضته على الطاولة، يكرّر: «إنه انتصار معنوي، انتصار كسر شوكة إسرائيل، هذا مثال للجميع».


«بعد ثلاثة أشهر، سمحوا لشقيقي ميسم بمقابلتي، فأحضر لي أول كتاب، (ألّيندي)، إلى داخل السجن». لا يجيب الزيدي عن استفسار بشأن شعرائه المفضّلين، إلّا أنه لا يخفي حبّه للشاعر «السياسي» أحمد مطر، قبل أن يضيف «أنا معجب جداً بمحمد الماغوط»