دخل المحكمة بـ«إرادة ساركوزي» وخرج منها بـ«إرادة القضاء»باريس ــ بسّام الطيارة
«أود الالتفات إلى المستقبل لخدمة الفرنسيّين»، بهذه الجملة افتتح دومينيك دوفيلبان جولة الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٢ أمام «غابة من الميكروفونات»، وحشد غفير من الصحافيين، مباشرةً بعد صدور حكم البراءة من التهم التي وجّهت إليه بالتلاعب بلوائح كليرستريم في محاولة منه لإقحام اسم نيكولا ساركوزي.
وبالطبع، ما إن صدر الحكم حتى التفت الإعلام إلى قصر الإليزيه لمعرفة ردّ فعل رئيس الجمهورية، المعنيّ الأول الذي صادف يوم أمس عيد ميلاده الـ٥٥. لكن ساركوزي، الذي كان يترأس مؤتمراً عن «عجز ميزانيات الدولة»، قال إنه كان ينتظر من طارح السؤال أن «يهنّئه بعيده».
ولكن بعد أقل من ساعة، صدر بيان عن الإليزيه يدل على رغبة قاطنه بـ«التهدئة». جاء كأنه يبرّر رفع الدعوى برغبة ساركوزي في فضح وكشف «التلاعب الخطير» الذي أودى بجان لوين جيرغولان وعماد لحود إلى السجن، أمام المواطنين الفرنسيين.
ورغم أن ساركوزي أعرب عن «قبوله حثيات الحكم»، فإنه لم يستطع أن يمنع نفسه من توجيه سهام إلى «خصمه دوفيلبان»، إذ نوّه بأن القضاة «استعملوا لغة قاسية جداً في ما يتعلق به»، قبل أن يعلن صراحةً أنه «لن يستأنف الحكم».
ولا يتعجب أيّ من المعلقين والمراقبين من تراجع ساركوزي عن «هجوميته»، بل يرى البعض أن «الرئيس أذكى من أن ينطح الحيط القضائي»، وأنه سوف يشدد على الأحكام التي صدرت بحق جيرغولان ولحود ليركب موجة «من وصل إليه حقه». كما أنه سيهادن دوفيلبان، بعدما كشفت الأيام الأخيرة أن عدداً متزايداً من النواب ومسؤولي حزب تجمع الأكثرية الشعبية الحاكم لم يتردّدوا في إعلان تأييدهم لـ«رئيس الوزراء السابق»، رغم سيف القضاء الذي كان مصلتاً فوق رأسه.
وثمّة تململ واضح في القواعد الشعبية للديغوليين، الذين يرون في دوفيلبان «عودة إلى الأصل». وهناك كمٌ من المواضيع الحساسة التي أدخلت قاعدة الحزب في حالة تردد وشك، والتي لم يحسن ساركوزي تقديم إجابات مقنعة إليها، ولا تصدم ناخبيه.
وإضافةً إلى المواضيع الإشكاليّة، مثل الهوية الوطنية التي عارض طرحها دوفيلبان، إضافةً إلى معظم كبار الديغولية التاريخية أمثال آلان جوبيه، أو اللامركزية الإدارية التي يعارضها عدد متزايد من رؤساء المقاطعات، فإن الطبقات المتوسطة الفرنسية لا تزال متعلقة بـ«الوصفات اليعقوبية الديغولية» التي يمثّلها دوفيلبان أحسن تمثيل.
وبحسب أكثر من مراقب، فإن على ساركوزي أن «يعرف أن دوفيلبان»، بعيداً عن أي «حس للانتقام»، سوف يعمل مهما كانت الظروف على العودة إلى الحلبة السياسية، وهو ما بدا ظاهراً حتى قبل أن يصدر الحكم. فالحلقات بدأت تتكوّن وبدأ عدد متزايد من مؤيديه بتنظيم أنفسهم استعداداً لمعركة النفوذ داخل الحزب، التي سوف تحددها نتائج الانتخابات المناطقيّة المقبلة.
ويرى كثيرون أن دوفيلبان «يلعب على حرير»، فاليمين لا يمسك سوى رئاسة منطقتين، بينما يسيطر الحزب الاشتراكي على ٢٠ منطقة. وإذا ربح اليمين بعض المناطق يستطيع دوفيلبان أن يحصد هذه النتيجة، وفي حال الخسارة فإنّ من السهل جداً عليه أن يضع اللوم على «سياسة ساركوزي»، ويشير في آن واحد إلى شعبيته المتراجعة.
ويستطيع دوفيلبان اليوم الاعتماد على نحو ٣٠ نائباً لم يتردّدوا في إعلان ولائهم له، ويتوقع البعض أن يزداد عددهم كلما بان ضعف ساركوزي، وخصوصاً أن القاعدة الديغولية لعدد من نواب يمين الوسط باتت تشكّك في إمكان أن يؤدّي حزب الوسط، ملجأها الطبيعي حين لا تعجبها سياسة اليمين، أيّ دور في المستقبل القريب، بينما الحزب الاشتراكي لا يزال متخبّطاً بتناقضاته وتنافس زعمائه.
من هنا، فإن عودة دوفيلبان «نظيفاً» وفي دور «ضحية ساركوزي المظلومة» يمكن أن يشدّ من عزمهم، ويزيد من قناعتهم بأن «الأفق ليس مسدوداً بترشّح ساركوزي».
عندما دخل دومينيك دوفيلبان المعمعة القضائية قال إنه يدخلها «بإرادة الرئيس». على باب المحكمة التي نطقت ببراءته، قال إنه يخرج بـ«إرادة القضاء»، ووجّه التحية إلى المحكمة التي «عرفت كيف تنصر القضاء والحق، وتبتعد عن السياسة». ولكن ما لم يقله دوفيلبان هو أنها فتحت له باب السياسة واسعاً، إن هو أعلن «استعداده لخدمة فرنسا».
يشار إلى أن المحكمة حكمت على عماد لحود، اللبناني الأصل، بالسجن ثلاث سنوات، وخفضتها إلى ثمانية عشر شهراً. وعلى جان لوي جيرغولان، المدير التنفيذي السابق لشركة «إي دي إس»، بالسجن خمسة عشر شهراً. كما حكمت بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ على فلوريان بورة، الموظف الذي «أخرج اللوائح من شركة «كلير ستريم». وبرّأت الصحافي دونيس روبير.