ابتسم الأمير السعودي تركي الفيصل لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، وصافحه بحرارة. حدث ليس الأول في تاريخ العلاقات السرية ــ العلنية بين بعض العرب والدولة العبرية، لكنّ تفاصيله وخلفياته وأبعاده قد تجعل من الواقعة مختلفة عن سابقاتها
ميونخ ــ عمر نشّابة
ما جرى بين المدير السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل، ونائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، خلال مؤتمر ميونخ الدولي للسياسات الأمنية مساء السبت، أكثر من مصافحة رمزية. هي بمثابة ردّ أوروبي ـــــ إسرائيلي بواسطة أمير سعودي على الموقف التركي المستجدّ تجاه الدولة العبرية. هي مصافحة «دُبّرت مسبقاً»، بحسب مصادر «الأخبار»، لـ«تسوية نزاع دبلوماسي» أساسه رفْض أن يكون الأمير تركي وأيالون ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو موجودين في لجنة واحدة تناقش ملف السلام في الشرق الأوسط في جلسة واحدة.
وبدت حادثة المصافحة شديدة الحبكة: اتُّخِذ قرار بتقسيم جلسات السبت إلى لجان، فكان من المفترض أن تضمّ لجنة أمن الشرق الأوسط كلاً من تركي الفيصل وأيالون وداوود أوغلو والأكاديمي الروسي إيغور يورغينز والسيناتور الأميركي جوزف ليبرمان والمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي. إلا أنّه تمّ تقسيم اللجنة إلى اثنتين، نزولاً عند إصرار من داوود أوغلو، بحسب تأكيد المصادر في المؤتمر، على اعتبار أنّ أيالون هو مَن أهان السفير التركي لدى تل أبيب أخيراً، أحمد أوغز تشليك كول.
وبحسب المعلومات، طلب داوود أوغلو أن يشارك مع تركي الفيصل ورئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية سلام فياض (الذي أُعلن استبداله قبل انطلاق المؤتمر بحسام زكي)، في الجلسة الأولى، بينما يشارك أيالون إلى جانب ليبرمان ويورغينز.
وعلمت «الأخبار» أن رئيس المؤتمر، السفير الألماني فولفغانغ إيشينغر، أدرك حساسية رفع مستوى الضغط على داوود أوغلو للتراجع عن موقفه، ما قد يدفعه إلى الاعتذار عن عدم المشاركة. لذلك، تباحث مسؤولون ألمان مع الأمير السعودي «عن طريقة لتحويل المؤتمر إلى ملتقى والابتعاد عن تعميق الهوّة بين الجهات المتصارعة»، حسب مسؤول دبلوماسي أوروبي.
وهكذا حصل بعد تقسيم اللجنة إلى لجنتين. إلا أنّ أيالون استهلّ حديثه بالقول «يبدو أنّ مبعوث دولة ثرية بالنفط ضغط على المنظّمين لتقسيم اللجنة لأنه لم يرد أن يجلس معنا»، معتبراً أنّ هذا يوضح «غياب الاحترام المتبادل والتسامح، وهي نقطة ضعف في صلب مشكلات المنطقة». وقف الأمير تركي أمام الحاضرين وجزم بأنه ليس هو الذي اعترض على وجود أيالون، موضحاً أن انقسام اللجنة «كان على الأرجح بسبب سلوك أيالون العنيف (boorish) مع سفير تركيا» لدى إسرائيل. حينها، سارع أيالون إلى القول «إذا لم يكن في الواقع هو الذي اعترض على وجودي هنا معه، فإنني أدعوه إلى مصافحة يدي الممدودة، أو أستطيع أن أنزل إليه وأصافحه إذا أراد». فاقترب الأمير تركي من المنصّة وتبادل الابتسامات مع المسؤول الإسرائيلي، ونزل أيالون عنها وتصافحا وسط تصفيق الحاضرين. كما «ربت» المسؤول الإسرائيلي ظهر الفيصل ثلاث مرّات، متودّداً ومبتسماً على وقع عبارة: «هناك فرصة» للتوصّل إلى سلام.
وشدد أيالون، في كلمته أمام اللجنة، على أنّ دعم طهران «للإرهاب المتمثل بحزب الله في لبنان وحماس في غزّة يمنع إحراز أي تقدّم في عملية السلام»، مكرراً اعتبار أنّ «حزب الله إيراني وليس لبنانياً». ثمّ وصف سوريا بـ«حصان طروادة» بين العرب الذين يسعون إلى السلام مع إسرائيل، مذكّراً بأن «99 في المئة من القتلى في الشرق الأوسط سقطوا على أيدي مسلمين لا على أيدي إسرائيل».
وعلمت «الأخبار» أنّ أيالون كان على علم بأن من طلب فصل الجلسات لم يكن الأمير السعودي، بل الوزير التركي، لكن مسؤولين في وزارة الخارجية الألمانية تباحثوا مع نظرائهم في وزارة الخارجية الإسرائيلية في الأمر، واتفقوا على عدم إعادة تأجيج التوتر بين أنقرة وتل أبيب، وبالتالي توجيه اللوم إلى الأمير السعودي وحلّ المسألة بالتصافح أمام الكاميرات، على قاعدة أنه بذلك يُحرَج الأتراك، بينما يحقّق الأوروبيون وحكام الدولة العبرية مكاسب عديدة.
يترجم المكسب بالنسبة إلى وزارة الخارجية الألمانية ومنظّمي المؤتمر من خلال إحداث إشارة شكلية إلى تقدّم في عملية السلام المشلولة بسبب رفض مسؤولي دولة الاحتلال تجميد بناء المستوطنات وتوسيعها.
لكن، لعلّ المكسب الأساسي يأتي لمصلحة وزارة الخارجية الإسرائيلية من خلال توجيهها رسالة مزدوجة إلى الداخل العبري وإلى العالم، مفادها بأنّه رغم الانتقادات التي تعرّض لها الوزير أفيغدور ليبرمان ونائبه أيالون، فإنهما «يسعيان جدياً إلى إعادة إطلاق عملية السلام» في المنطقة.
وفي وقت لاحق، أكد الأمير تركي الفيصل أن مصافحته أيالون «لم تتمّ إلا بعدما قام أيالون بالاعتذار عن أمور احتجّ عليها الأمير السعودي». وقال بيان سعودي إنه «لا يجب إخراج هذه الواقعة من إطارها أو إساءة فهمها. اعتراضي القوي وإدانتي لسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين تبقى على ما هي عليه». وتابع «من الواضح أنّ جيران إسرائيل العرب يريدون السلام، إلا أنه لا يمكنهم أن يتحملوا تصرفات تندرج في إطار السرقة، كما أنه لا يجب الضغط عليهم لمكافأة إسرائيل على إعادة أراضٍ لم تكن لها في الأساس». وأشار إلى أن «على الإسرائيليين ألا يتوهّموا بأن السعودية ستعطيهم أكثر مما يرغبون فيه، وهو الاعتراف الإقليمي حتى تلبّي إسرائيل نداء الرئيس الأميركي باراك أوباما لإزالة كل المستوطنات».
وناقض تركي الفيصل الكلام الذي أدلى به في سجاله مع أيالون، عندما جاء في بيانه التوضيحي: «اعترضتُ على الجلوس في الحلقة نفسها معه لا لأنه نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، بل بسبب معاملته السيئة لسفير تركيا في إسرائيل».
وكشف أنّ أيالون «طلب مني أن أتقدم إلى المنصّة وأصافحه لأظهر بأنني لا أكنّ مشاعر عداء، لكنّني أشرت إليه وقلت إنه هو من يجب أن ينزل عن المنصّة». كما أوضح أنه «عندما وقفنا وجهاً لوجه، اعتذر عما قاله وردّدت بأني أقبل اعتذاره ليس لي فقط بل للسفير التركي أيضاً».
إلا أن مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي نفى أن يكون أيالون قد اعتذر من الفيصل عن الإساءة للسعودية. وذكر البيان، الذي صدر عن مكتب أيالون، أن «كل من شاركوا في المؤتمر أيقنوا أنه لم يكن هناك أي اعتذار من جانب نائب الوزير أمام الأمير».


لقاءات ومصافحات

لم تكن المصافحة السعودية ـــــ الإسرائيلية الأولى في تاريخ التطبيع غير الرسمي بين الدول العربية وتل أبيب؛ فقد حصلت لقاءات عديدة بين وزراء ومسؤولين عرب ونظرائهم الإسرائيليين خلال السنوات الماضية على هامش مشاركات في مؤتمرات عالمية. كانت آخرها مشاركة وفد إسرائيلي في القمة العالمية لطاقة المستقبل الذي عقد في الإمارات قبل أسابيع. كذلك التقى وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة تسيبي ليفني حين كانت وزيرة للخارجية في تشرين الأول 2007 على هامش انعقاد الدورة الثانية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت اللقاءات الأبرز قد حصلت خلال مؤتمر «حوار الأديان» الذي عقد بمبادرة مشتركة بين السعودية والأمم المتحدة في نيويورك في تشرين الثاني 2008. يومها كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز هو النجم بعد مصافحته شيخ الأزهر في مصر محمد سيد طنطاوي. طنطاوي قال، دفاعاً عن نفسه، إنّه لم يعرف من هو بيريز.
في المقابل، أفادت الصحف الإسرائيلية وقتها بأنّه تقدم من بيريز وبادر إلى مصافحته. وأضافت الصحف الإسرائيلية إنّ الاثنين وقفا دقائق وتبادلا الحديث، وكان بيريز في الغرفة نفسها مع الملك السعودي عبد الله. وقال آنذاك مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، وليام بيرنز، إنّ عبد الله وبيريز التقيا، ما استدعى رداً سعودياً غاضباً. فعادت أميركا ونفت على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية روبرت وود حصول لقاء.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد في الغرفة نفسها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت خلال قمة الاتحاد مع أجل المتوسط في فرنسا. والتقطت الكاميرا أولمرت وهو ينظر إلى الأسد مراراً، فيما أشاح الرئيس السوري بنظره عنه. وكان الأسد قد صافح بطريق الخطأ الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف خلال جنازة البابا يوحنا بولس الثاني.
(الأخبار)