أرنست خوريكانت الساعات الأربع والعشرون الماضية، التي شهدت الانتخابات الرئاسية في جمهورية قبرص التركية، محطّ متابعة الأوروبيين، ربما أكثر من مواطني شقّي هذه الجزيرة، بما أنّ النتيجة التي ستخرج من صناديق الاقتراع قد تكون حاسمة من ناحية السير قدماً في البحث عن حلّ للأزمة القبرصية من عدمه، وبالتالي قد يكون لها أثر كبير على ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
إذاً، كانت انتخابات أمس دولية بامتياز، إذ إنّ 6 أطراف رئيسيين يعدونها مصيرية: الاتحاد الأوروبي، قبرص اليونانية، تركيا واليونان، إضافة طبعاً إلى الأمم المتحدة وبريطانيا، الراعيتين الرسميتين لمحادثات توحيد الجزيرة.
وشارك في المعركة الانتخابية سبعة مرشحين، أبرزهم على الإطلاق اثنان: رئيس الجمهورية، الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري اليساري، محمد علي طلعت (58 عاماً)، ورئيس الحكومة، رئيس الحزب اليميني «الوحدة الوطنية»، درويش إروغلو (72 عاماً). الأول خاض الاستحقاق تحت شعار تأييد مواصلة المفاوضات للوصول إلى توحيد القبرصين فدراليّاً. أمّا إروغلو، فقد هيمنت على صورته الانتخابية مواقفه الرافضة لتوحيد شقّي الجزيرة، وهو ما جعل من طلعت بمثابة المرشّح المفضّل لكل الأطراف الدوليين الراغبين في حلّ إحدى تَرِكات مرحلة الحرب الباردة.
لكن، قبل حلول الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت قبرص، موعد فتح صناديق الاقتراع أمام الـ164072 ناخباً (من أصل نحو 250 ألف مواطن)، كانت التوقعات واستطلاعات الرأي تشير إلى فوز «الصقر» إروغلو. حتى إنّ أقصى طموح مَن يرغبون في خسارته انحصرت في أن ينتقل طلعت وإروغلو إلى الدورة الثانية، لا أن يحصد رئيس الحكومة 50 في المئة من الأصوات ويحسم السباق من الدورة الأولى. إلا أنّ قدرة طلعت على تلافي الخسارة من الدورة الأولى، قد تشير، وفق معظم المحللين، إلى فوزه في المرحلة الثانية، لكون معظم المرشحين الخاسرين وقواعدهم الشعبية سيصبّون أصواتهم لمصلحته. ولعلمه بمدى حاجة الغرب إليه، اكتفى الرئيس الحالي برفع شعار مركزي: «فوز إروغلو سيعني انتهاء مباحثات السلام، أي عودتنا إلى العزلة الدولية»، متعهداً بأن تشهد هذه المفاوضات، التي بدأت مع الرئيس القبرصي اليوناني الشيوعي ديمتري كريستوفياس، قبل 19 شهراً، «تسارعاً في الوتيرة» إذا فاز بالرئاسة مجدداً، بعد تخطّي مشاكل ملف تقاسم السلطة في قبرص الفدرالية.
وهنا يُطرَح السؤال: معروف أنّ غالبية القبارصة الأتراك يؤيّدون الحل السلمي لجزيرتهم في إطار دولة فدرالية موحّدة عضو في الاتحاد الأوروبي، فلماذا إذاً يؤيّد جزء كبير منهم المرشّح إروغلو؟ سؤال جزمت الصحف التركية بأنّ جوابه يكمن في إدراك هؤلاء أنّ قرار الحل السلمي ليس في أيدي القبارصة الأتراك، بل القبارصة اليونانيين غير المستعدّين لطيّ صفحة النزاع التاريخي، بدليل أنّ اليونانيين هم من صوّتوا بـ«لا» لخطة كوفي أنان في عام 2004، بينما أيّدها القبارصة الأتراك بغالبية ساحقة، والنتيجة معروفة: كوفئ اليونانيون وعوقب الأتراك وقبارصتهم.
رغم ذلك، يُرَجَّح أن يكون إروغلو أمام امتحان صعب للغاية إذا فاز، بما أنه «ممنوع عليه» رفض مواصلة المفاوضات. منع بحكم الأمر الواقع، بحيث إنّ تركيا ليست في وارد الموافقة على إبقاء العقبة الأهم التي تعوق تقدّم مفاوضاتها الأوروبية، أي إنها ليست مستعدة للتعامل مع رئيس قبرصي تركي يرفض علناً المفاوضات.
كذلك فإن المنع نابع من الحالة الاقتصادية السيّئة التي يعيشها مواطنو الشق التركي من الجزيرة المعزولة، التي لا يعترف باستقلالها سوى الأخ الأكبر، تركيا، منذ عام 1983.
بناءً عليه، سيكون على إروغلو، في حال فوزه، الدفاع عن مفاوضات هو غير راضٍ عن مبدئها أصلاً، لكن يُرَجَّح أن يدافع عنها لفظياً. وأغلب الظنّ هنا، أنّ أنقرة تفضّل فوز طلعت على اعتبار أنّ ذلك سيكون إنجازاً دبلوماسياً لها، للقول لـ«المجتمع الدولي» إنّ القبارصة الأتراك يريدون حلاً والكرة في الملعب الآخر. كلام يعرفه إروغلو تمام المعرفة، بدليل أنه طمأن الجميع، عشية الانتخابات، إلى أنّه لن يوقف المفاوضات، لأنّ «قبرص التركية لا يمكن أن تستمر من دون تركيا، وأيّ أمر غير مناسب لتركيا لا يمكن أن يمرّ».