إنه الرجل الأفضل لهذه المهمة»، وغيرها من تعابير ثناء أُغدقت على دايفيد بترايوس في سياق حملة إعلامية لمنع أي تداعيات سلبية على إقالة ستانلي ماكريستال. لكن العيب لم يكن في القائد، بل في استراتيجية حرب خاسرة
شهيرة سلّوم
بعد أقل من خمسة أشهر على مراجعة الفريق الأمني استراتيجية الحرب، وقبل أقل من عام على بدء عملية سحب القوات الموعودة، تبدو الأمور في أفغانستان بحاجة إلى تحقيق مجموعة من الإنجازات في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات. لكن في ظلّ الظروف المأسوية الحالية، لا يبدو أن قائد الحرب الجديد، ديفيد بترايوس، قادر على بلوغ الهدف.
لا شكّ أن بترايوس كان الخيار الأفضل لإعادة انضباط المؤسسة العسكرية، والخروج من الوحول الأفغانية. في المهمة الأولى سينجح، لكن نجاحه في الثانية مشكوك فيه. طرد ستانلي ماكريستال سيكون له أثر بليغ على فريقه العسكري الذي يقود الحرب، ومعلوم أن مساعديه يجلّونه كثيراً وينتقدون البيت الأبيض. لذلك وقع اختيار أوباما على بترايوس، الجنرال الذي يحظى باحترام كبير داخل المؤسستين المدنية والعسكرية، والقادر على فرض الانضباط داخل الصف العسكري.
في الواقع، إن التاريخ الأميركي لا يتسامح مع جنرال عسكري يخرج عن إمرة القيادة المدنية، لذلك لم يكن قرار باراك أوباما إبعاد ماكريستال بسبب تصريحاته العلنية المسيئة مُستغرباً، بل إن البعض رأى أن الرئيس الأميركي تأخر في قراره، وأنه كان يجب أن يفعل ذلك قبل أن يخرج الخلاف الى العلن، وأن عليه أن يستكمل خطوته هذه بطرد أشخاص آخرين مدنيين غير منضبطين، إضافة الى جنرالات فاشلين، وتأليف فريق متجانس لإدارة الحرب.
وبالنسبة إلى الحرب، فإن بترايوس أيضاً هو أفضل من تملكه واشنطن لهذه المهمة. رجل له خبرة واسعة في خوض الحروب ضدّ الجماعات المتمرّدة (أطروحته كانت حول الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في فيتنام فنفذها في العراق). كما يمتلك مهارات سياسية عالية في فن التفاوض، وهي ميزة يتفوق بها على ماكريستال.
حين تسلّم زمام القيادة في العراق، لم يكتف بإرسال التعزيزات الإضافية (الإغراق)، بل أبرم صفقات مع قادة متمرّدين كانوا قد أمضوا أربع سنوات في قتال الأميركيين، جامعاً بين القتال والتفاوض. وكان لصحوات العراق الفضل في تراجع حدة العنف في بلاد الرافدين.
على الأرجح أن مهلة الانسحاب في حزيران 2011 ستتغيّر مع بترايوس
كذلك فإنه رجل يعرف البلاد الأفغانية جيداً، ويملك علاقات وثيقة مع المسؤولين فيها (خلال رحلة أخيرة الى أفغانستان، التقى أحمد والي قرضاي، الأخ غير الشقيق للرئيس ورئيس مجلس قندهار حيث تخاض أشرس المعارك، والذي يعدُّ مفتاحاً أساسياً للتواصل مع القوى المحلية وأمراء الحرب).
إضافة الى أن اختيار بترايوس يعود الى تجربته الإنقاذية الناجحة في العراق. فقد أُرسل الجنرال الأميركي الى بلاد الرافدين في وقت كان فيه جنود الاحتلال يعيشون أحلك الظروف في 2007 ويتكبدون أكبر خسائر لهم، كما هي الحال اليوم في أفغانستان التي وصلت الأوضاع فيها الى حافة الانهيار.
لكن بين العراق وأفغانستان اختلافات شاسعة. في بلاد الرافدين كان تدخل بترايوس كي يستبدل الاستراتيجية الفاشلة التي وضعها أسلافه، وصياغة استراتيجية حربية جديدة تسمح لقوات الاحتلال بالانسحاب بعد استتباب الأمن.
في أفغانستان، الاستراتيجية الحربية فاشلة أيضاً، لكنها تحمل بصمات بترايوس وتجربته العراقية. كان له دور أساسي في وضع الاستراتيجية وتنفيذها بالاشتراك مع ماكريستال (يقول مسؤول إن بترايوس هو الأب الروحي لهذه الاستراتيجية). فحين بدأ أوباما في صياغة استراتيجية بديلة للحرب، سأل بترايوس «كيف فعلتها في العراق؟ وما هي الدروس التي يمكن تطبيقها في أفغانستان؟»، فأحضر الجنرال ورقة وضع فيها الخطوط العريضة للدروس المستقاة من ملاحقة قادة المتمردين ومفاوضتهم.
وتابع ماكريستال تنفيذ الاستراتيجية على الأرض، بينما راقبها بترايوس من أعلى. وبتعيينه بديلاً من ماكريستال، سيكون بترايوس المسؤول المباشر عن تنفيذ هذه الاستراتيجية، وبالتالي سيتحمل مسؤولية الفشل أو النجاح مباشرةً. إذاً، العيب لم يكن في القائد، بل في الاستراتيجية الفاشلة التي اعتمدت على إسقاط التجربة العراقية، من دون الأخذ بعين الاعتبار أن أفغانستان (وباكستان أيضاً) ليستا العراق ولن تكونا كذلك يوماً. في أفغانستان، نتحدث عن بلاد تعيش في القرون الوسطى، الفساد والأفيون ينخران عظامها، والقتال هو مهنة للعيش. وعن بلاد يقاوم أبناؤها الغُزاة.
ولأن «طالبان» جزء من النسيج الأفغاني وليس طارئاً كما «القاعدة» في العراق، نجحت الصحوات في بلاد الرافدين، وفشلت في باكستان وأفغانستان.
في العراق كانت المقاومة متركزة داخل المدن. في أفغانستان هي منتشرة في الجبال والصحارى وعبر الحدود. الطبيعة الجغرافية والمناخية في العراق لا تشبه بتاتاً نظيرتها في أفغانستان.
وفي ظل هذه الظروف، لا شك أن تحصل تعديلات في الاستراتيجية القتالية (وإن أعلن أوباما أن تغيير قائد ليس تغييراً في الاستراتيجية). لكن يُرجح أن تستمر مجموعة تكتيكات اعتبرت ناجحة، من ضمنها سياسة فك ارتباط الأهالي بالمتمرّدين (تعريتهم) عبر تقديم الحوافز الأمنية والاقتصادية. وهو خيار على استحالته لا بديل منه. وسياسة «التحجيم» (استهداف القادة).
وعلى الأرجح إن مهلة الانسحاب التي حددها أوباما في حزيران 2011 ستتغير مع بترايوس. فخلال شهادة استماع داخل الكابيتول هيل الأسبوع الماضي، بدا الجنرال غير مرتاح بالمهلة، وقال في تعليقه على الموعد المقترح لبدء سحب القوات «من المهم أن يكون حزيران 2011 هو موعد بدء إحراز تقدّم، مبني على شروط، وليس لانسحاب القوات».